التكلفة الاقتصادية لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر – ECSS

أشار صندوق النقد الدولي في دراسة أعدها بالاعتماد على بيانات 153 دولة على مدى السنوات الثلاثين الماضية إلى أن 80 % من البضائع المتداولة على مستوى العالم يتم نقلها عبر البحر، تلك هي حقيقة الأهمية الاستراتيجية للنقل البحري في التجارة العالمية وتحقيق النمو والتنمية المنشودة في أهداف الأمم المتحدة العالمية للتنمية المستدامة، ومن ثم تعد تكلفة الشحن مُحركًا مهمًا للنمو الاقتصادي العالمي وكمؤثر رئيسي على بيانات التضخم عالميًا، حيث إن ارتفاع تكاليف الشحن بنسبة 100% يساهم في زيادة في معدلات التضخم العالمية بحوالي 0.7 %، لكن ذلك ليس كل شيء، فتلك التأثيرات تبقى لمدة 18 شهرًا، ومن ثم فإن تلك التأثيرات تتجاوز العام الحالي وربما يترتب عليها بيانات تضخم أعلى من التوقعات السابقة، تلك هي الآثار المباشرة التي يسببها الوضع الملتهب في منطقة البحر الأحمر بعد أن أصبح ساحة عمليات للتنافس العالمي على السيطرة، خاصة بعد أن أعلنت واشنطن عن تكوين تحالف دولي يضم 11 دولة بهدف معلن هو حماية أمن البحر الأحمر ومواجهة هجمات الحوثيين، لكن ذلك ليس التواجد العسكري الوحيد بالمنطقة، إذ تضم تلك المنطقة أيضًا (منطقة القرن الأفريقي) حوالي 11 قاعدة عسكرية أخرى قريبة من منطقة القرن الأفريقي كلها تتبع دولًا عظمى هدفها المعلن هو حماية حركة الشحن والتجارة العالمية من عمليات القرصنة أو أي تهديدات أخرى، وأهدافها الخفية هي توسيع النفوذ الجيوسياسي لها، وهو ما دفع المحللين للإشارة إلى أنه قد تكون أهداف الولايات المتحدة الأمريكية هي عسكرة البحر الأحمر والسيطرة على باب المندب لحماية أمن إسرائيل وخلق نفوذ إقليمي، مستغلة التهديدات كذريعة كما حدث في أفغانستان والعراق، وهو ما يزيد من احتمالية اندلاع مواجهات دولية وفرض شروط جديدة على المنطقة.

الشكل 1: انتشار القواعد العسكرية بمنطقة القرن الأفريقي[1]

تعد هجمات الحوثيين في منطقة البحر الأحمر التي بدأت لدعم المقاومة الفلسطينية والضغط على إسرائيل في حربها على غزة، من أكثر العوامل تأثيرًا في الصراع الإقليمي، حيث هددت هذه الهجمات حركة الملاحة للسفن الإسرائيلية في البداية، ثم امتد تأثيرها ليشمل السفن الأمريكية والأوروبية وكافة السفن العابرة للبحر الأحمر، ولا تعد تلك الهجمات خروجًا على المبادئ التي تأسست عليها الجماعة الحوثية، إذ إن معاداة التواجد الأمريكي بالمنطقة هو أحد المبادئ الرئيسية التي تأسس عليها الفكر الحوثي على يد “حسين بدر الدين الحوثي” الذي ولد في عام 1959 في محافظة صعدة باليمن لعائلة دينية زيدية، وتلقى تعليمه الديني في اليمن واستكمله في إيران، وبدأ نشاطه السياسي في أواخر الثمانينيات بانضمامه إلى حزب الحق وأصبح عضوًا في البرلمان اليمني في التسعينيات، ثم أسس حركة “الشباب المؤمن” في أوائل التسعينيات التي تطورت لاحقًا إلى حركة أنصار الله، وركز على الدعوة للزيدية ومعارضة النفوذ السعودي والأمريكي بالمنطقة. وفي 2004، قاد “حسين” تمردًا ضد الحكومة اليمنية وقُتل في اشتباك مع القوات اليمنية الموالية للحكومة، وتولى شقيقه “عبد الملك الحوثي” قيادة الحركة التي استمرت على أفكار “حسين الحوثي” التي تشكلت من الزيدية التقليدية مع إضافات ثورية بمعارضة المملكة العربية السعودية والتواجد الأمريكي بالمنطقة، مما منح حركته طابعًا سياسيًا وعسكريًا قويًا، وجعلها لاعبًا رئيسيًا في الصراع اليمني الإقليمي.

الشكل 2: مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن (المصدر: بي بي سي نقلًا عن IHS[2])

بفضل الدعم الإيراني، أصبح لجماعة الحوثيين اليمنية المعروفة أيضًا باسم أنصار الله نفوذ إقليمي كبير، وتأثير في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، حيث قدمت إيران دعمًا عسكريًا ولوجستيًا بما في ذلك الأسلحة والتدريب والمستشارون العسكريون، وعزز ذلك قدراتهم القتالية وساهم في زيادة عددهم ليقترب من 100 ألف مقاتل. بالإضافة إلى ذلك، قدمت إيران دعمًا ماليًا وسياسيًا الأمر الذي مكّنهم من الاستمرار في الحرب لفترات طويلة لينجح الحوثيون في السيطرة على مناطق واسعة من اليمن، بما في ذلك المناطق القريبة من مضيق باب المندب، وهو ما منحهم القدرة على تهديد الملاحة الدولية في هذا الممر البحري الاستراتيجي، وزاد من أهميتهم ونفوذهم الداخلي والإقليمي والدولي.

وتعتبر جماعة الحوثيين جزءًا من التوترات الأوسع بين السعودية وإيران، حيث تدعم إيران الحوثيين في حرب بالوكالة ضد السعودية التي تقود تحالفًا لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وفي السياق نفسه فإن للحوثيين علاقات وطيدة مع حزب الله اللبناني الذي يعتبر حليفًا قويًا لإيران، ومن ثم يحصل الحوثيون على خبرات حزب الله في الحروب غير التقليدية والتكتيكات العسكرية، بل ويمكن أن يمتد الدعم المقدم للحوثيين ليشمل بعض الفصائل (الجماعات) الشيعية في العراق وسوريا، مما يعزز شبكة الدعم الإقليمي لهم، ويمكنهم من الحصول على الأسلحة المتطورة التي تمكنهم من تنفيذ هجمات صاروخيه وطائرات مسيرة على أهداف سعودية، مما يزيد من التوترات الإقليمية ويشكل ضغطًا على دول المنطقة.

معركة الفتح الموعود

أطلق المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين اسم “معرفة الفتح الموعود” على العمليات التي تشنها القوات الموالية لحركة أنصار الله اليمنية على الأهداف التابعه لإسرائيل والتي تزامنت مع الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، وقد استهدفت تلك الهجمات الضغط على إسرائيل لوقف العدوان على قطاع غزة من خلال عمليات قصف استهدفت جنوب إسرائيل بصواريخ باليستية وجوالة وطائرات مسيرة، وأعلنت عن نيتها منع مرور السفن الإسرائيلية والتابعة لإسرائيل من مضيق باب المندب البحري والبحر الأحمر والبحر العربي، وهددت بمنع مرور جميع السفن من جميع الجنسيات المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية في حال عدم سماح إسرائيل بدخول احتياجات قطاع غزة من الدواء والغذاء[3]، مع الإشارة إلى أن حركة الملاحة في منطقة البحر الأحمر آمنة للسفن التجارية العالمية عدا تلك المتجهة إلى فلسطين المحتلة، وأن الاستهداف الحوثي للسفن الإسرائيلية هو أمر مشروع ونابع من واجبهم الإنساني والعروبي والإسلامي تجاه ما يحدث للفلسطينيين في قطاع غزة من حرب شاملة تجاوزت فترة الثمانية أشهر.

فكانت البداية في 10 أكتوبر 2023، حيث أعلن قائد حركة أنصار الحوثيين عبد الملك الحوثي استعداد الحركة لدخول الحرب ضد إسرائيل باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة، ووجود احتمالية التوسع بتنفيذ عمليات عسكرية أخرى في حال تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر لمساعدة إسرائيل، وتم الإعلان في 31 أكتوبر 2023 رسميًا عن دخول جماعة الحوثيين في الحرب ضد إسرائيل إلى جانب الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وأعلنت إطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة تجاه إسرائيل[4]، ثم هدد قائد حركة أنصار الله “عبد الملك الحوثي” باستهداف السفن الإسرائيلية بمنطقة البحر الأحمر في 14 نوفمبر 2023، وبعد ذلك بخمسة أيام احتجز الحوثيون سفينة “جالاكسي ليدر” وعلى متنها 25 فردًا من خلال عملية إنزال جوي على ظهر السفينة باستخدام مروحية “ميل مي- 17” وهو ما دفع المتحدث باسم البيت الأبيض بالولايات المتحدة الأمريكية “جون كيربي” إلى الإعلان عن أن عملية احتجاز السفينة هي انتهاك سافر للقانون الدولي والتأكيد على أن الولايات المتحدة بدأت بمراجعة تصنيف المنظمات الإرهابية[5]، وقد أعلنت القوات المسلحة الأمريكية عن اعتراض عدد من الصواريخ والمسيرات المتوجهة نحو السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر[6]، وتعرض عدد من السفن المرتبطة بإسرائيل لهجمات بصواريخ وطائرات مسيرة وهو ما دفع شركة شحن بحري إسرائيلية “زيم” إلى تغيير مسار سفنها عن قناة السويس لتجنب المرور في البحر الأحمر وبحر العرب[7]. في 14 ديسمبر 2023، أمر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الموانئ الإسرائيلية بإزالة بيانات السفن القادمة إليها ومغادرة مواقع الموانئ الإلكترونية لتجنب وقوع هجمات على السفن، وأعلن عدد من شركات الشحن العالمية الكبرى توقف مرور سفنها في البحر الأحمر بسبب الهجمات الإسرائيلية على السفن.

* بيانات شهر يونيو 2024 حتى تاريخ 12 يونيو

وقد وصل عدد السفن التي هاجمها الحوثيون منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة إلى حوالي 132 سفينة، أولها كان في 19 نوفمبر 2023، والذي شهد 6 هجمات وظل متوسط الهجمات حوالي 15 هجمة في خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى يناير 2024، ثم ازدادت وتيرة تلك الهجمات في شهر مارس خاصة بعد إعلان واشنطن تأسيس التحالف الدولي وتوجيه ضربات لليمن لتصل في شهر مارس إلى 25 هجمة، وقد شكلت الهجمات على السفن الأمريكية حوالي 41% من إجمالي الهجمات، بينما شكلت الهجمات على السفن الإسرائيلية حوالي 19%.

الشكل 3: الدول المالكة للسفن التي تعرضت لهجوم الحوثيين

حارس الازدهار

أعلنت واشنطن عن تشكيل تحالف دولي يضم عشر دول (الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، البحرين، كندا، الدنمارك، ألمانيا، هولندا، نيوزيلندا، كوريا الجنوبية، وأسبانيا) لحماية أمن البحر الأحمر ومواجهة هجمات الحوثيين بمنطقة البحر الأحمر يحمل اسم حارس الازدهار. وفي 12 يناير لعام 2024، تعرض اليمن لعدد من الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية والتي استهدفت مواقع عسكرية يمنية، وردًا على تلك العمليات أعلن الحوثيين أن جميع المصالح الأمريكية والبريطانية أصبحت أهدافًا مشروعه، وهو ما يهدد السفن المارة لتلك الدول بالمنطقة، وتتصاعد التهديدات لتشمل المصالح الأمريكية بدول الخليج أيضًا، ويعتبر الهدف المعلن لذلك التحالف هو مواجهة هجمات الحوثيين بمنطقة البحر الأحمر، بينما تشير تحليلات أخرى إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أدركت أهمية البحر الأحمر منذ عام 1973، ومن ثم فقد حاولت تضخيم الهجمات الحوثية في البحر الأحمر والتركيز عليها إعلاميًا واستصدار قرار من مجلس الأمن (قرار 2722) لإعطاء الشرعية لها لعسكرة منطقة البحر الأحمر وجعله منطقة نفوذ لها والسيطرة على باب المندب، ومن ثم إدخال أكبر قدر من القوات الأمريكية إلى منطقة البحر الأحمر بما يسمح لها بالمناورة السياسية وحماية أمن إسرائيل عن طريق خلق عدو وهمي والاستفادة منه كما حدث في أفغانستان والعراق، ليصبح البحر الأحمر محل تنافس دولي كبير نظرًا لوجود 11 قاعدة عسكرية بمنطقة القرن الأفريقي قريبة من مدخله.

تتبع تلك القواعد عددًا من الدول المتنافسة إقليميًا ودوليًا، وهو الأمر الذي يؤدي إلى وجود احتمالية لأن تتفاقم حدة المواجهات لاندلاع حرب دولية، وفرض شروط جديدة على منطقة البحر الأحمر والملاحة الجوية الذي تعتبره واشنطن أمرًا ذا أولوية استراتيجية[8]. على الجانب الآخر، تشير بعض الآراء إلى أن الهجمات الحوثية على السفن المارة بمنطقة البحر الأحمر وأهدافهم المعلنة بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب على فلسطين تأتي كغطاء لأهداف أخرى غير معلنة تتعلق بكسب تعاطف الشعب العربي والإسلامي والهروب من التزاماتهم تجاه الشعب اليمني المتمثلة في تحقيق السلام الدائم بين اليمنيين وتشكيل حكومة وطنية باليمن، واكتساب قبول سياسي على المستوى الشعبي العربي والإسلامي. لكن أيًا كانت الأهداف فالآثار الاقتصادية السلبية لا تفرق بين الأهداف السياسية.

تضاعف أسعار الشحن

تسبب الاستهداف الحوثي للسفن التجارية وناقلات النفط في تزايد المخاطر التشغيلية بمنطقة البحر الأحمر والتأثير على نحو مباشر على تكاليف الشحن العالمية، وقد دفعت تلك الهجمات بعض شركات الشحن العالمية إلى تغيير مسار سفنها لتجنب تلك المنطقة، وهو ما ترتب عليه زيادة وقت السفر والتكاليف المرتبطة بالشحن، حيث تربط قناة السويس المصرية البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، وهي أسرع وسيلة لشحن الوقود والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، حيث استخدمت شركات الشحن هذا الطريق لنقل ما يصل إلى ثلث إجمالي شحنات الحاويات العالمية.

وقد أشارت مجموعة “ميرسك” الدنماركية للشحن في الأسبوع الأول من شهر يونيو 2024، إلى أنها تواجه ازدحامًا كبيرًا في موانئ البحر المتوسط والموانئ الآسيوية وهو ما يترتب عليه حدوث تأخير كبير في رحلاتها، وهو ما دفعها إلى تأجيل تسيير رحلتين كانتا من المقرر أن تتجها غربًا من الصين وكوريا الجنوبية في أوائل يوليو المقبل نتيجة لهذا الازدحام، وهذا يأتي في ظل حرص عدد من الشركات الكبرى في مجال نقل الحاويات مثل “ميرسيك” و”إم سي سي” و”هاباغ لويد” على تغيير مسار سفنها من البحر الأحمر لتتخذ طريقًا أطول عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب قارة أفريقيا للحفاظ على سلامة تلك السفن، إلا أن ذلك الطريق يضيف حوالي 4000 ميل إضافي لرحلة تلك السفن، وهو ما يزيد وقت الإبحار بنحو 10 أيام أو أكثر في كل اتجاه (20 يومًا للرحلة ذهابًا وإيابًا). فعلى سبيل المثال، أبحرت السفينة “ماريك هونج كونج” التي تحمل علم سنغافورة من سنغافورة إلى سلوفينيا في 15 نوفمبر، ووصلت إلى بورسعيد في مصر بعد 12 يومًا فقط عبر إبحارها بقناة السويس، إلا أنه ونظرًا لتزايد خطر الهجمات الحوثية على منطقة البحر الأحمر فقد قررت تلك السفينة اتخاذ طريق رأس رجاء الصالح عند العودة من خلال الالتفاف حول أفريقيا للعودة إلى سنغافورة، وقد أبحرت السفينة من بورسعيد في 17 ديسمبر، ووصلت إلى سنغافورة في 19 يناير بعد شهر كامل من الإبحار، حيث وفرت قناة السويس حوالي 18 يوم إبحار[9].

ذلك الوضع يعكس الأثر الكبير لهجمات الحوثيين على تكاليف الشحن العالمية، حيث أظهرت البيانات أن أسعار شحن الحاويات بين آسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ارتفعت بأكثر من 200% وفقًا للتقرير الصادر عن شركة Freightos.com المتخصصة في عمليات الشحن ورصد البيانات المتعلقة بصناعة النقل البحري، حيث أشار التقرير إلى أن ذلك الارتفاع في التكاليف يعود إلى التهديدات المستمرة لسفن الشحن في البحر الأحمر والانخفاض في الطاقة الاستيعابية للسفن. ووفقًا للتقرير بلغ سعر الشحن الفوري للبضائع في حاوية 40 قدمًا من آسيا إلى شمال أوروبا أكثر من 4000 دولار أمريكي مرتفعًا من متوسط تكلفة الشحن السابقة التي تبلغ 1900 دولار أمريكي، وبلغت تكلفة الشحن من آسيا إلى البحر الأبيض المتوسط 5175 دولارًا، وقد أعلنت بعض شركات النقل الأخرى عن أسعار تزيد على 6000 دولار لكل حاوية طولها 40 قدمًا لشحنات البحر الأبيض المتوسط بدأ من منتصف شهر يونيو، فضلًا عن وجود رسوم إضافية تتراوح بين 500 دولار إلى 2700 دولار لكل حاوية وهو ما يعني أن الأسعار الشاملة ستكون أعلى بكثير وفقًا لرئيس أبحاث شركة Freightos. [10] وفي السياق نفسه، ارتفعت تكلفة الشحن بين آسيا والساحل الشرقي لأمريكا الشمالية أيضًا بنسبة 55% لتصل إلى 3900 دولار لكل حاوية سعة 40 قدمًا بعد الهجمات الحوثية بمنطقة البحر الأحمر، بينما ارتفعت أسعار الساحل الغربي بنسبة 63% لتصل إلى أكثر من 2700 دولار قبل أن يُحَوَّل مسار البضائع المتوقع لتجنب المشكلات المتعلقة بالبحر الأحمر.

شهد شهر ديسمبر 2023 أول تحرك اقتصادي أمريكي ضد الحوثيين، حيث فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة صرافة وشركة شحن ورئيس جمعية الصرافين اليمنيين في مناطق سيطرة حركة أنصار الله في اليمن، واستمرت جماعة الحوثيين اليمنية في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل بمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن، وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا في 10 يناير يطالب فيه حركة أنصار الله الحوثيين بالتوقف فورًا عن شن الهجمات التي تعمل على عرقلة التجارة الدولية وتقوض الحقوق والحريات الملاحية والسلم والأمن[11]، وأعلن صندوق النقد الدولي أن حركة نقل الحاويات بمنطقة البحر الأحمر قد انخفضت في عام واحد بنسبة 30% بسبب الهجمات المنطلقة من اليمن على السفن المرتبطة بإسرائيل بمنطقة البحر الأحمر.

تباطؤ الاقتصاد العالمي

أشارت غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، إلى تأثير العوامل الجيوسياسية، مثل هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، التي ترفع تكاليف التأمين والشحن، وتقلل حركة المرور البحرية، والتي سيكون لها تأثير كبير على معدلات النمو بالاقتصاد العالمي، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد العالمي تحسنًا طفيفًا في معدلات النمو لعام 2024، من 3% إلى 3.1%، وهي أقل من متوسط النمو البالغ 3.8% قبل جائحة كوفيد-19، حيث أشارت إلى أن هذه الهجمات خفضت حركة المرور عبر البحر الأحمر إلى النصف، مما زاد مدة الرحلات البحرية بمقدار 3200 ميل وتسعة أيام إضافية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف التأمين، وتُشير الدراسات إلى التأثير الجوهري الذي تلعبه قناة السويس بالتجارة العالمية، حيث تؤثر الاضطرابات قصيرة المدى (مثل عرقلة سفينة إيفر جرين لممر القناة في عام 2021) على التجارة العالمية بالانخفاض بنسبة 0.2%، بينما تؤدي سيناريوهات الاضطراب المستمرة إلى خفض التجارة العالمية بحوالي 1.3% في عام 2024، ثم بحوالي 0.5% في عام 2025، وتؤثر في مخزونات دول العالم من النفط والمعادن بسبب الزيادات المستمرة في أسعار الشحن والوقت المستغرق لوصول البضائع[12]، من جانب آخر وحتى الآن لا يمكن القول إن التأثيرات الاقتصادية على المستوى العالمي الناجمة عن هجمات الحوثيين بمنطقة البحر الأحمر تظل محدودة وفقًا لما أشارت إليه مديرة صندوق النقد الدولي، لكنها أوضحت أن التأثير الأشد سيكون على مصر التي ستخسر قرابة 100 مليون دولار شهريًا نتيجة تأثر قطاعي السياحة، وقناة السويس، مما يضيف مزيدًا من الضغوط على الأسعار في مصر.

التأثيرات على مصر

تُعتبر الحرب في غزة والتي بدأت في أكتوبر من عام 2023 غير مسبوقة من حيث حجم الموت والدمار وتداعياتها الإقليمية، حيث إن لتلك الحرب أثر كارثي على الاقتصاد الفلسطيني، وتمتد آثارها على دول الجوار خاصة مصر والأردن ولبنان، خصوصًا وأن اقتصادات تلك الدول كانت ولا تزال تعاني الآثار التي سببتها أزمة كوفيد-19 والتي تسببت في زيادة معدلات الديون في تلك البلدان، وتلتها الحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت بأسعار الطاقة والغذاء إلى مستويات مرتفعة والتي كانت سببًا في ارتفاع معدلات التضخم عالميًا، وانتهاج البنوك المركزية سياسات تسعى للسيطرة على التضخم من خلال رفع سعر الفائدة، والتي زادت من معاناة دول الجوار المكبلة بالديون، ورفعت من تكلفة وعبء الدين.

وبالنظر إلى الاقتصاد المصري فهو ذو حالة خاصة من حيث الاعتماد على مصادر الدخل شديدة التأثر بالاستقرار في الإقليم، إذ تشكل إيرادات قناة السويس (10 مليارات دولار سنويًا)، والسياحة (13 – 14 مليار دولار سنويًا) والتي تمثل حوالي 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لبيانات عام 2023 وتساهم بشكل وثيق من خلال ارتباطاتها غير المباشرة بالاقتصاد، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج (30 مليار دولار سنويا) مصادر رئيسية لدخل الدولة المصرية، والتي كان لحرب غزة أثر كبير على تذبذبها وانخفاضها بشكل حاد.

حيث تأثرت قناة السويس التي تعد أقصر طريق بري بين آسيا وأوروبا والذي يمثل نحو 15% من حجم التجارة البحرية العالمية بشكل كبير خلال الأشهر الستة الماضية جراء تداعيات الحرب على غزة والتوترات السياسية والعسكرية المستمرة في منطقة البحر الأحمر، حيث تراجع عدد السفن المارة من قناة السويس بنسبة 85% في الأشهر الستة الماضية[13]، وقد أشارت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن شحنات النفط الخام والوقود العالمية عبر طريق رأس الرجاء الصالح ارتفعت بنسبة 47% منذ بدء الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، هذا التحول إلى طريق أطول لتجنب الهجمات رفع تكاليف الشحن، حيث كان يمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس حوالي 12% من حركة الشحن العالمية سابقًا، حيث أظهرت بيانات تتبع السفن من “فورتكسا” أن نحو 8.7 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات المكررة سلكت الطريق المار بجنوب أفريقيا يوميًا خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2024، مقارنة بمتوسط 5.9 مليون برميل في 2023، حيث شحنت السعودية والعراق النفط إلى أوروبا عبر رأس الرجاء الصالح بدلًا من البحر الأحمر وقناة السويس، وهو ما ساهم في زيادة سفن النفط المارة عبر طريق رأس رجاء الصالح بنسبة 15%. من جانب آخر، زادت شركات التكرير في آسيا والشرق الأوسط صادراتها إلى أوروبا عبر الطريق نفسه “رأس رجاء الصالح”، مما ساهم في حوالي 29% من الزيادة. الجانب الشرقي من الولايات المتحدة الأمريكية هو الآخر أرسل شحنات النفط إلى آسيا عبر طريق رأس رجاء الصالح، وهو ما ساهم في زيادة عدد براميل النفط التي تمر عبر طريق رأس الرجاء الصالح بحوالي 600 ألف برميل يوميا[14].

وقد دفعت تلك التأثيرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقريرها الصادر في مايو 2024، تقدير إجمالي الانخفاض في إيرادات السياحة وقناة السويس على مدار السنتين الماليتين 23/24 و24/25 لتصل إلى حوالي 3.7 مليار دولار وفقًا للسيناريو المتفائل، وتصل إلى 9.9 مليار دولار وفقًا للسيناريو المتوسط، وترتفع إلى 13.7 مليار دولار وفقًا للسيناريو المتشائم، وهو ما يعني أن الآثار الاقتصادية على مصر بما في ذلك التأثيرات المضاعفة على مدار السنتين الماليتين قد تصل إلى 5.6 مليار دولار (1.6% من الناتج المحلي الإجمالي) في ظل السيناريو المتفائل، وتصل إلى 14.6 مليار دولار (3.9% من الناتج المحلي الإجمالي) وفقًا للسيناريو المتوسط، وتصل إلى 19.8 مليار دولار (حوالي 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي) وفقًا للسيناريو المتشائم، ويترتب على تلك التأثيرات الاقتصادية انخفاض الدخل الحقيقي للأسر بنسبة 1.3% في ظل السيناريو المتفائل، وحوالي 2.1% في ظل السيناريو المتوسط، و2.5% في ظل السيناريو المتشائم، وتستمر آثار تلك الحرب على الاقتصاد المصري حتى العام المالي 24/25 في ظل السيناريو المتوسط والمتشائم[15].

وفي سبيل احتواء تلك الآثار السلبية واستعادة الاستقرار المالي الكلي، فقد وقعت الحكومة المصرية مؤخرًا اتفاقًا جديدًا مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى عقد عدد من الشراكات الاستراتيجية مع دولة الإمارات العربية المتحدة لجذب استثمارات من خلال صفقة رأس الحكمة، وشراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، ومن المرجح أن يساعد تدفق العملات الأجنبية من تلك الشراكات في تخفيف المشاكل وتخفيف الآثار السلبية للحرب.

نقص المواد الغذائية باليمن

يحذر خبراء اقتصاديون يمنيون من أزمة محتملة في مخزون السلع الغذائية، مع ارتفاع أسعارها بشكل ظاهر. ويعاني السكان في عدة مدن يمنية من ارتفاعات جديدة في أسعار السلع الأساسية، مما يزيد معاناتهم المعيشية، ويجعل من الصعب تأمين احتياجاتهم الأساسية. وتشير التقارير الإخبارية نقلًا عن مصادر محلية في صنعاء إلى أن الأسعار تتصاعد بشكل يومي بسبب التصعيد الحوثي ضد الملاحة الدولية وأعمال النهب والابتزاز التي تمارسها الجماعة ضد التجار والمواطنين، حيث عانى سكان محافظتي “إب” و”ذمار” من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والسكر والزيت والأرز والسمن، والتي شهدت ارتفاعات بحوالي 50%، وتعود تلك الارتفاعات إلى التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، وعمليات النهب والابتزاز التي تمارسها الجماعة ضد التجار والمستوردين، مما زاد تكاليف البضائع. كما صعّدت الجماعة من إجراءاتها التعسفية ضد أصحاب المحلات التجارية لفرض إتاوات لتمويل عملياتها العسكرية، وهو ما يهدد بحدوث تدهور اقتصادي ومعيشي لملايين من اليمنيين وحدوث أزمة غذائية حادة بمخزون السلع في اليمن، بسبب زيادة تكاليف الشحن والتأمين، وابتعاد شركات الشحن العالمية عن الموانئ اليمنية في حال استمرار التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب، وهو الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على البلاد، ويخلق أزمة إنسانية شديدة في اليمن التي تعتمد على استيراد 80% من احتياجاتها عبر ميناء الحديدة .[16]

تكلفة مواجهة الهجمات

أعلن وزير البحرية الأمريكي كارلوس ديل تورو، أن الولايات المتحدة أنفقت مليار دولار خلال الأشهر الستة الماضية لإحباط هجمات الحوثيين على السفن في الشرق الأوسط. وذكر ديل تورو في جلسة للجنة المخصصات بمجلس الشيوخ، أن القوات البحرية الأمريكية نجحت في إحباط أكثر من 130 هجومًا على السفن العسكرية والتجارية الأمريكية، وأكد ضرورة إقرار حزمة مالية لتجديد الذخائر، موضحًا أن الوزارة تحتاج إلى ما يقرب من مليار دولار لتجديد الذخائر، وأن مبلغ الـ2 مليار دولار المنصوص عليه في الملحق الإضافي مهم جدًا لاستمرار العمليات الدفاعية.

أفريقيا الأكثر تأثرًا

تسببت الهجمات الأخيرة لمليشيا الحوثي على السفن التجارية وعمليات الاختطاف التي قام بها القراصنة الصوماليون في زعزعة استقرار حركة الشحن البحري من البحر الأحمر إلى غرب المحيط الهندي، مما أثر في الأمن والتجارة في أفريقيا حيث أُبْلِغ عن أكثر من 130 حادثًا منذ نوفمبر الماضي، بما في ذلك استهداف 14 سفينة بطائرات بدون طيار واختطاف 18 سفينة من قبل قراصنة صوماليين، وهذه الاضطرابات كشفت عن ضعف الأمن البحري في القارة، وتسبب الارتفاع في تكاليف الشحن عالميًا في التأثير بشدة على الاقتصاديات الهشة والبلدان غير الساحلية في شرق أفريقيا التي تعتمد على التدفق الحر للسلع من البحر الأحمر، خاصة وأن السلع أضحت تصل في وقت متأخر وبتكاليف أعلى، وهذا التأخير وارتفاع الأسعار يعطلان الكيانات الاقتصادية المحلية، ويزيدان تكلفة السلع الاستهلاكية، مما يؤثر مباشرة على معيشة المواطنين.

وتتطلب الأزمة البحرية في البحر الأحمر الإسراع بوقف الاعتداء الإسرائيلي على غزة، وإنهاء الأزمة الإنسانية هناك والبدء في جهود إعادة الإعمار والوصول إلى حل سلمي شامل وعادل للقضية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وصياغة منصة تعاون قوية للاستجابة للأزمات تشمل شركاء التنمية والمجتمع المدني والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة المعنيين على المستوى المحلي لضمان الاستجابة في الوقت المناسب والتعبئة السريعة للموارد على أساس الاحتياجات، هذا إلى جانب إعادة تقييم جهود الأمن البحري في الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم من خلال تعزيز التعاون بين الدول الساحلية لمنطقة البحر الأحمر، حيث يمكن تشكيل آليات مشتركة لمراقبة المياه الإقليمية وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل منتظم، وتطوير قدرات الرقابة البحرية والتفتيش على السفن والحمولات المارة عبر المنطقة باستخدام التقنيات الحديثة مثل الرادارات وأنظمة الاستشعار عن بعد لتحسين الرصد والتحليل، والتعاون مع منظمات بحرية دولية مثل منظمة البحر الأحمر لتعزيز الأمن والسلامة البحرية وتطبيق القوانين الدولية، ووجود آلية دولية عادلة لتعويض الدول المتضررة عن الأزمات الجيوسياسية التي تندلع بالمنطقة، والتي ليس لها دور بها، إذ إن تكلفة الأزمات الجيوسياسية لا تتوقف عند مناطق الصراع فحسب، بل تمتد تأثيراتها لتشمل بلدانًا أخرى خارج منطقة الصراع.


[1] https://i0.wp.com/saxafimedia.com/wp-content/uploads/2020/06/africa_horn-militarryflagmap.beh_.jpg

[2] https://www.bbc.com/arabic/middleeast-40645075

[3] الأشول، يقول سامي أحمد (9 ديسمبر 2023)، الإعلام الحربي | بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن منع كافة السفن المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني 09-12-2023م، مؤرشف من الأصل في 2023-12-10، اطلع عليه بتاريخ 13/06/2024.

[4] عربي، سبوتنيك (20231031T1315+0000). ““أنصار الله” اليمنية تعلن رسميا الدخول على خط المواجهة مع إسرائيل“. سبوتنيك عربي. مؤرشف من الأصل في 2023-11-04. اطلع عليه بتاريخ 13/06/2024.

[5]واشنطن تحث الحوثيين على الإفراج عن السفينة.. وتراجع تصنيف الكيانات الإرهابية | الحرة”. www.alhurra.com. مؤرشف من الأصل في 2023-12-02. اطلع عليه بتاريخ 13/06/2024.

[6] Irwin، Lauren (23 نوفمبر 2023). “US warship shoots down multiple ‘attack drones’ in Red Sea“. The Hill. مؤرشف من الأصل في 2023-11-23. اطلع عليه بتاريخ 12/06/2024.

[7]شركة شحن إسرائيلية تغير مسار سفنها عن قناة السويس“. الجزيرة نت. مؤرشف من الأصل في 2023-12-05. اطلع عليه بتاريخ 2023-12-12.

[8] https://carnegieendowment.org/sada/2024/01/red-sea-hostilities-local-regional-and-international-implications?lang=ar

[9] https://rb.gy/7k7wjv

[10] https://rb.gy/6q2mga

[11]بعد قرار مجلس الأمن.. هل تتوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟”. سكاي نيوز عربية. مؤرشف من الأصل في 2024-01-12. اطلع عليه بتاريخ 13/06/2024.

[12] https://rb.gy/y7bs9p

[13] https://rb.gy/khdf33

[14] https://rb.gy/scxr60

[15] Potential socioeconomic impacts of the gaza war on Egypt: A rapid assessment, May. 2024, https://ent.news/2024/5/1485.pdf

[16] https://rb.gy/roo47d