الخيار-الرئاسي-لخامنئي:-مُصْلِح-ضعيف-أم-متشدد-قوي-–-مركز-الروابط-للدراسات-الاستراتيجية-والسياسية-–-مركز-الروابط-للدراسات-الاستراتيجية-والسياسية

الخيار الرئاسي لخامنئي: مُصْلِح ضعيف أم متشدد قوي – مركز الروابط للدراسات الاستراتيجية والسياسية – مركز الروابط للدراسات الاستراتيجية والسياسية

غالباً ما تسفر الانتخابات الرئاسية الإيرانية عن نتائج مفاجئة، ولذلك، لا يمكن استبعاد فوز بيزشكيان، المرشح الإصلاحي الوحيد.

شكّل تبوء ثلاثة من رؤساء إيران الأربعة الأخيرين الرئاسة مفاجأة، حيث لم يكن من المتوقع انتخابهم عندما بدأت الحملة الانتخابية. فهل تحمل الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في 28 حزيران/يونيو مفاجأة أخرى؟ وهل سيتمكن المرشح الإصلاحي مسعود بيزشكيان من الوصول إلى الجولة الثانية على الأقل؟

يضم المرشحون الستة خمسة متشددين تربطهم علاقات وثيقة إلى حد ما بـ “الحرس الثوري” الإيراني، ولم يسمح المرشد الأعلى علي خامنئي قط لمرشح مقرب من “الحرس الثوري” الإيراني بالفوز بالرئاسة. وفي الواقع، كانت علاقات ثلاثة من الفائزين الأربعة الأخيرين سيئة مع “الحرس الثوري” الإيراني. فقد تلقى محمد خاتمي رسالة مفتوحة من كبار قادة “الحرس” يحذرونه فيها من أنهم سيتحركون إذا لم يتخذ إجراءات صارمة ضد المتظاهرين. وكانت علاقات محمود أحمدي نجاد سيئة للغاية مع “الحرس الثوري”، لدرجة أنه أشار إليهم في خطاب متلفز مباشر لكبار القادة، على أنهم “الإخوة المهربون”، مشتكياً من فسادهم. وفي عام 2013، فاز حسن روحاني على العديد من المرشحين الذين تفضلهم قيادة “الحرس الثوري” بشكل علني. أما الراحل إبراهيم رئيسي فكان يتمتع بعلاقات جيدة مع “الحرس الثوري”، إلا أنه لم يخدم قط في “الحرس”.

ويتناسب نهج خامنئي المتمثل في إبقاء “الحرس الثوري” خارج الرئاسة مع أسلوبه العام القائم على منع بروز الشخصيات القوية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك رفضه التكلم عمن سيخلفه وعدم تعيينه نائباً له. بالإضافة إلى ذلك، أنشأ عدداً كبيراً من المؤسسات المتنافسة ذات المسؤوليات المتداخلة، وقام بنقل شخصيات قوية سابقاً إلى مناصب غامضة في تلك المؤسسات أو تعيينها من بين مستشارين متعددين.

ونتيجة ذلك، لم يكن الرؤساء الإيرانيون السابقون أقوياء بشكل خاص. فقد اشتكى خاتمي علناً من أنه لا يتمتع بأي سلطة على بعض أهم أعضاء حكومته، بمن فيهم وزير الاستخبارات الذي اختاره خامنئي. وعندما تولى رئيسي منصبه، كان من المتوقع على نطاق واسع أن يكون أقوى من أسلافه، لأنه كان يُعتقد أنه يتمتع بدعم واسع النطاق من قبل النخبة الحاكمة، والتي شملت إقامته علاقات وثيقة مع خامنئي. لكن ذلك لم يغير مجرى الأمور، حيث لم يلعب رئيسي دوراً مهماً في عملية صنع القرار.

ويضم السباق الرئاسي الطارئ هذا العام مرشحَيْن طموحيْن بشكل علني ولديهما دوائر قوية من الشركاء والمؤيدين. فقد قدم متعصبو الثورة، المنظمون في ما يسمونه بمعسكر “بايداري”، دعماً قوياً لسعيد جليلي، ونظموا حملات عالية الصوت على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبروا أن بيزشكيان يمثل “جامعة طهران” بينما يمثل جليلي “جامعة الإمام الصادق”، علماً أن العديد من التكنوقراط درسوا في المؤسسة الأولى، بينما درس العديد من المنظرين المقربين من “الحرس الثوري” الإيراني في المؤسسة الثانية. ويفضل التلفزيون الحكومي – الذي يسيطر عليه خريجو “الإمام الصادق”، وبعضهم من أقارب جليلي – المرشح جليلي بشكل صارخ. كما أن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف واثق من نفسه. فعندما بدأ حملته، كان المرشح الأوفر حظاً، بالإستناد جزئياً على علاقاته الواسعة النطاق الناتجة عن مناصبه القيادية المختلفة، كرئيس الشرطة الوطنية، ورئيس “القوات الجوية للحرس الثوري” الإيراني، ورئيس “المجلس”، وتعاملاته التجارية العديدة.

وإذا أصبح جليلي أو قاليباف رئيساً، فسيسعى كل منهما إلى الحصول على الأضواء، وهو أمر لا يريده خامنئي بالضرورة. فقد يشعر المرشد الأعلى براحة أكبر مع تكنوقراط غير معروف ومصلح معتدل يتمتع بسجل حافل في عدم زعزعة الأمور، وبعبارة أخرى، بيزشكيان. ويمكن القول إن ذلك من شأنه مواصلة النمط الذي ظهر مع رئيسي، الذي لم يضطلع بأهمية كبرى كرئيس، ولكن هذه المرة مع ما يكفي من المؤهلات الإصلاحية لتهدئة بعض منتقدي النظام. وبدلاً من ذلك، قد يفضل خامنئي شخصاً يتمتع بموقف أيديولوجي أكثر صرامة، حتى لو كانت الشخصية المذكورة تطمح لأن تكون قوية. ومع تطلعه إلى من سيخلفه في النهاية، عمل خامنئي على تحديد مسار كافة المؤسسات الإيرانية، بحيث أصبح أولئك الأكثر التزاماً بإيديولوجيته جزءاً من السلطة. وفي نهاية المطاف، كان مرتاحاً مؤخراً لوجود شخصية قوية جداً على رأس “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري”، وهو الراحل قاسم سليماني، على الرغم من أنه بدا وكأنه الاستثناء وليس القاعدة.

وإذا ثبتت صحة الخيار الأخير، فلماذا سمح خامنئي لبيزشكيان بالترشح أصلاً؟ لطالما روج المرشد الأعلى لأهمية إقبال الناخبين كوسيلة لإظهار شرعية الجمهورية الإسلامية، وهو ما كان فرضياً سبباً مهماً وراء السماح لمرشح إصلاحي بالترشح. لكن اللغز الكبير هو التالي: ما السبب لوجود مصلح واحد فقط ولكن خمسة متشددين؟ لقد انتشر قدر كبير من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي عبر كامل الطيف السياسي مفادها أن هذا المزيج يصب في مصلحة الإصلاحيين، الذين ستكون أصواتهم متركزة، بينما ستتوزع أصوات المتشددين بين الخمسة الآخرين.

والسؤال ذو الصلة هو لماذا يبقى كل من جليلي وقاليباف في السباق الرئاسي نظراً لأنهما لا يختلفان كثيراً حول هذه القضايا؟ الجواب الأكثر ترجيحاً هو أن كليهما شديد الغرور ومقتنع بأن الآخر يجب أن ينسحب. ومن الناحية العملية، فإن بقاءهما أو انسحابهما من السباق يعود إلى خامنئي. فإذا “نصح”، أو “أمر”، أحدهما بالانسحاب، سيشير ذلك بوضوح إلى أنه يفضل خسارة بيزشكيان. ولكن إذا بقي كلاهما في السباق الرئاسي، فقد يشير ذلك إلى أنه يعطي الأولوية لإقبالٍ كبير للناخبين. وفي الحالتين، يتمتع النظام بخبرة كبيرة في إعلان النتائج التي تناسب تفضيلات السلطات بغض النظر عن أصوات الناخبين.

لقد ركز قدر كبير من التعليقات المتعلقة بحظوظ بيزشكيان على خلفيته الأذربيجانية، التي يروج لها بلا خجل، ومؤهلاته الإصلاحية، المتواضعة بل الحقيقية. وهو يحاول اللعب في جميع المعسكرات. فخلال حملته الانتخابية في قم، أطلق على نفسه لقب “أصولي”، وهي الصفة التي يستخدمها الأيديولوجيون المتشددون، ولكنه حظي بتأييد إصلاحيين بارزين، بمن فيهم خاتمي، بالإضافة إلى شخصيات أقل تشدداً مثل محمد جواد ظريف، الذي شن حملة قوية لصالحه كحامل إرث روحاني. لكن قد لا تكون مؤهلات بيزشكيان الإصلاحية مهمة كثيراً، نظراً لوجود أدلة كثيرة على أن الإيرانيين مرهقون من السياسة ويفضلون عدم المشاركة في دعم الإصلاحات التي يريدها الكثيرون. وليس من الواضح بأي حال من الأحوال عدد الأشخاص العاديين الذين سيذهبون للتصويت. ومن المؤكد أنه سيكون أكثر بكثير مما لو لم يكن بيزشكيان مرشحاً، لكنه ليس بالضرورة كافياً حتى لفرض جولة ثانية، التي ستعقد إذا لم يحصل أي مرشح على الأغلبية في الجولة الأولى.

ومن الممكن أن يكون للمناظرات الخمس المقررة للحملة تأثير كبير على التصويت. فغالباً ما يوصف جليلي بأنه يترك انطباعاً سيئاً وقد كان أداؤه ضعيفاً جداً في مناظرات عام 2013. وفي المناظرة الأولى لهذا العام، والتي كانت مناقشة حول السياسة الاقتصادية عقدت في 17 حزيران/يونيو، لم يفشل أي مرشح، ولكن لم يوجه أي منهم ضربة قاضية أيضاً. واقترح بيزشكيان أن تبذل إيران المزيد من الجهود لمعالجة المخاوف الدولية، مشدداً على الضرورة الملحة لتنفيذ إصلاحات مكافحة غسيل الأموال والشفافية المالية التي دعت إليها “مجموعة العمل المالي” (FATF) كخطوة رئيسية نحو تسهيل الاستثمار الأجنبي. وكان بيزشكيان ومصطفى بور محمدي، وهو رجل دين مرشح ليس لديه حظوظ كبيرة على الرغم من إطلاقه حملة انتخابية فعالة، ​​هما اللذيْن انتقدا تأثير العقوبات، بينما قلل الآخرون من أهميتها.

ماذا يعني كل ذلك بالنسبة للولايات المتحدة والغرب؟ سوف تقدم مناقشة 24 حزيران/يونيو حول السياسة الخارجية بعض التوجيهات. ومع ذلك، فإن الفائز بالرئاسة لن يكون له بالضرورة تأثير كبير على جوهر السياسات الإيرانية، على الرغم من أنه قد يؤثر على اللهجة. وأكد بيزشكيان أنه لن يطرح تغييرات جذرية. ففي مقابلته مع التلفزيون الحكومي، علماً أنه يتم تخصيص مقابلة لكل مرشح، قال: “لن نغير الاتجاه، والسياسة العامة هي الاستقرار”. أما تعليقاته بشأن خطة التنمية الوطنية ومفادها أنه “لن نكتب خطة جديدة، ولن نعلن عن سياسة جديدة في البلاد”، فيمكن أن تنطبق على نهجه العام إذا تم انتخابه. كما سيستخدم لهجة أقل تصادمية وإدانات أقل حدة لـ “شرور الغرب”، وسيؤكد على وجوب اتخاذ إيران خطوات بدلاً من إلقائها اللوم ببساطة على الآخرين. ولكن لا يعني أي من ذلك أنه سيدعم خفض المساعدات المقدمة إلى “جبهة المقاومة” ضد إسرائيل والغرب أو إجراء تغييرات جوهرية في البرنامج النووي، كما لا يعني ذلك أن هذه التغييرات ستكون ضمن صلاحياته حتى لو كان ينوي تنفيذها.

وفي المقابل، قد يعتمد جليلي نبرة أكثر تصادمية، على الرغم من أنه من غير الواضح على الإطلاق إلى أي مدى سيتغير جوهر السياسة الإيرانية. فقاليباف سيرغب على الأرجح في إظهار قدرته على عقد صفقة مع الغرب، على الرغم من عدم وجود مؤشرات على أنه سيمارس ضغوطاً من أجل إحداث أي تغيير فعلي في السياسات التي تعترض عليها الولايات المتحدة. باختصار، لن تؤثر الانتخابات كثيراً على مسار السياسة الخارجية الإيرانية، الذي يحدده المرشد الأعلى وباقي أعضاء المؤسسة المتشددة.