تتواصّل تدّاعيات الهجوم الذي نفذته جماعة “أنصار الله الحوثي” بطائرة مسيّرة على “تل أبيب”، المركز التجاري لـ”إسرائيل”، فجر أمس الجمعة، وفيما أكّد جيش الاحتلال أنّ عدم اعتراض المسيّرة ناجم عن “خطأ بشري”، فإن وسائل إعلام عبرية شكّكت بالرواية الرسمية، واصفةً عدم إسقاطها بأنّه “عمى مطلق”.
وكان جيش الاحتلال قد قال إنّ انفجارًا وقع في تل أبيب جراء سقوط “هدف جوي”، ليل أمس الخميس – الجمعة، تبيّن لاحقًا أنّه هجوم بطائرة مسيّرة تبنته الجماعة اليمنية المقربة من إيران، في هجوم هو الأول من نوعه منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إنّ الهجوم أسفر عن مقتل رجل واحد، وإصابة عشرة آخرين بـ”جروح طفيفة وهلع”، مشيرةً إلى أنّ انفجار المسيّرة وقّع في تمام الساعة الثالثة والربع (فجر أمس الجمعة) عند تقاطع شارعي “شالوم عليخم” و”بن يهودا” على بعد مئات الأمتار من سفارة الولايات المتحدة.
مداولات إسرائيلية لتقيّيم الهجوم
وسائل إعلام إسرائيلية، قالت إن وزير الدفاع في حكومة الاحتلال، يوآف غالانت، بالاشتراك مع رئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون حاليفا، عقدوا مداولات لتقيّيم الوضع في أعقاب الهجوم الذي استهدف وسط “تل أبيب”.
أكّد جيش الاحتلال أنّ عدم اعتراض المسيّرة ناجم عن “خطأ بشري”، فيما شكّكت وسائل إعلام عبريةبالرواية الرسمية، واصفةً عدم إسقاطها بأنّه “عمى مطلق”
ونقلت أنّ بيانًا صادرًا عن مكتب غالانت قال في نهاية المداولات إنّ: “جهاز الأمن يعمل على تعزيز فوري لمجمل منظومات الدفاع، وسيقوم بمحاسبة أي أحد يستهدف دولة إسرائيل أو يرسل إرهابا ضدها”.
وأضاف البيان أنّ غالانت أجرى “صباح اليوم (الجمعة) تقييمًا للوضع كي أقف عن كثب على الخطوات المطلوبة لتعزيز المنظومات الدفاعية الجوية على إثر أحداث الليلة الماضية، وعلى العمليات الاستخباراتية ضد المسؤولين إطلاق النار ومرسِليهم”.
من جهته، أوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هغاري، أنّ “الطائرة المسيّرة أُطلِقت من اليمن، وهي إيرانية الصنع من طراز صماد 3، الذي خضع لتحسينات لإطالة مدى تحليقها”، لافتًا إلى أنّه لا توجد تغيّيرات في تعليمات قيادة الجبهة الداخلية.
إذاعة جيش الاحتلال كانت قد ذكرت في تعليقها على الهجوم، أمس الجمعة، أنّه: “لا يزال يتعيّن على القوات الجوية التحقيق في المسار الذي سلكته، وكيف تمكنت من الإفلات من أنظمة الكشف والرادارات”، موضحةً أنّ: “المسافة بين تل أبيب وميناء الحديدة في اليمن (أحد مراكز القوة الرئيسية للحوثيين) تبلغ 2100 كيلومتر”.
ونقل موقع “واينت” الإلكتروني العبري عن مسؤولين إسرائيليين توعّدهم بالرد على الجماعة اليمنية، وقال المسؤولون إنّه: “سيكون هناك رد على إطلاق الحوثيين للمسيرة الإيرانية، وسيأتي الرد”، وأضافوا أن “الخيار بشن عملية عسكرية في الأراضي اليمنية موجود على الطاولة، وليس مستبعدًا أنّ الّرد سيكون هناك”.
“عمى مطلق” في منظومة سلاح الجو
جيش الاحتلال من جهته، حاول احتواء فشل أنظمة الكشف والردارات رصد المسيّرة، معللًا ذلك بالقول: “الدفاع الجوي ليس محكمًا”، وتابع مضيفًا “إلى جانب حقيقة أنّنا أسقطنا بنجاح هدفّا من الشرق، فإنّنا نحقق في هذا الحدث، وقد رأينا مسارات طائرات مسيّرة حاولت تضليلنا، وغيّرت اتجاهها خلال تحليقها”.
وقال جيش الاحتلال في بيان منفصل، إنّ تحقيقًا أوليًا أجراه سلاح الجو أظهر أنّ “أجهزة الرصد الجوي (الرادارات) رصدت الطائرة المسيّرة التي انفجرت في تل أبيب، لكن تقرّر عدم اعتراضها، لأنّها لم تصنف في منظومة الدفاع الجوي على أنّها هدف معاد وتهديد جوي، ولذلك لم يعمل جهاز الإنذار ولم يتم إسقاط الهدف، ما يعني أنّ الحديث لا يدور عن خلل في الأجهزة وإنما هذا خطأ بشري، وأسبابه ليست واضحة بعد، ويجري التحقيق فيه”.
لكن موقع “واينت” العبري شكّك برواية الجيش الرسمية، مشيرًا إلى أنّه “على ما يبدو لم يرصد أي رادار للجيش الإسرائيلي على الأرض وفي الجو أو في البحر الطائرة المسيّرة كي يتم تشغيل صافرات لتحذير السكان، ومنع استهداف موقع إستراتيجي دولي، هو مبنى السفارة الأميركية في تل أبيب”.
واعتبر أن هذا الفشل يمثّل “عمى مطلق في فترة فيها جميع المنظومات مستنفرة والتأهب مرتفع”، مضيفًا أنّ “هذا الحدث يطرح أسئلة حول مواجهة تهديدات كهذه بحجم آخر في حرب شاملة مقابل حزب الله، وربما مقابل جبهات أخرى”.
إنجاز كبير لأنصار الله الحوثي
في تعليقها على طبيعة الهجوم الذي نفذته الجماعة اليمنية، رأت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن تمكّن المسيّرة من الوصول إلى وسط “تل أبيب” يمنح “زخمًا للحوثيين في الوقت الذي يشعر فيه المسؤولون الغربيون بالقلق من طموحات الجماعة وقدرتها على إلحاق الضرر”.
وأعادت الصحيفة الأميركية التذكير بأن الحوثيين منذ تشرين الثاني/نوفمبر دأبوا “على إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة، على السفن التجارية والسفن الحربية في البحر الأحمر”، وأضافت بأنّ هذه الهجمات أدّت إلى “إغراق سفينتين، ومنع السفن من المرور عبر واحد من أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم، والذي يربط آسيا بأوروبا، وما وراءها عبر قناة السويس المصرية”.
المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، أندرو تابلر، وصف هجوم الطائرة المسيّرة الذي استهدف وسط “تل أبيب” بأنّه “إنجاز كبير للجماعة (أنصار الله الحوثي) التي تواصل استهداف خصومها”.
في حين يسود اعتقاد لدى، تيمور خان، رئيس عمليات الخليج في شركة أبحاث التسلح في النزاعات، وهي شركة خاصة مقرها في المملكة المتحدة تحقق في الاتجار العالمي بالأسلحة، بأن المسيّرة “صُنعت بمحرك أكبر من الطراز القياسي من طراز صماد 3، مما يساعدها على اجتياز مسافة 1250 ميلًا تقريبًا من اليمن”.
وأضاف خان أنّ “عادةً ما تتطلب التعديلات التي يتم إدخالها لتوسيع مدى الطائرات بدون طيار مزيدًا من الوقود ومتفجرات أقل، مما يجعل تأثيرها أقل تدميرًا”، لافتًا إلى أنّ انطلاقها من الأراضي اليمنية سيتطلب منها عبور البحر الأحمر، حيث “تقود البحرية الأميركية جهودًا دولية لاعتراض هجمات الحوثيين على الشحن التجاري”، وتابع أنّه عليها المرور بعد ذلك “عبر شبه جزيرة سيناء المصرية ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ثم فوق البحر الأبيض المتوسط، قبل أن تتجه شرقًا نحو الساحل الإسرائيلي”.
وأوضحت وسائل إعلام عبرية أنّ المسيّرة حلّقت على ارتفاع منخفض، وعند وصولها إلى شواطئ تل أبيب، هبطت إلى ارتفاع عدة عشرات من الأمتار فوق خط المياه، حتى لا يتم اكتشافها، بحسب ما نقلت وكالة “الأناضول“.
قطعت حوالي ألفي كم
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية أنّ تقديرات إسرائيلية أفادت بأنّ الطائرة المسيّرة قطعت حوالي ألفي كم، لافتةّ إلى أنّها سلكت في بعض الأحيان مسارات جديدة مقارنة بالمرات السابقة، لتضليل أنظمة الكشف والرصد التابعة لجيش الاحتلال.
تمّ تصميم الرأس الحربي للمسيّرة الذي يزن بضعة كيلوغرامات بما يتلاءم مع رحلة طويلة متوقّعة
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنّه تمّ تصميم الرأس الحربي للمسيّرة الذي يزن بضعة كيلوغرامات بما يتلاءم مع رحلة طويلة متوقّعة، وقالت إذاعة جيش الاحتلال عبر منصة “إكس”، إنّ وزن الطائرة قدّر بنحو 10 كيلوغرامات، وقد سارت عشرة ساعات تقريبًا أثناء رحلتها من اليمن إلى “تل أبيب”.
وبحسب ما نقلت صحيفة “واشنطن بوست“، فإن فابيان هينز، وهو زميل باحث يدرس الطائرات بدون طيار والصواريخ في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، توقّع أن تكون جماعة “أنصار الله الحوثي” قد قامت بتحديث الطائرة بدون طيار لزيادة مداها، بما في ذلك عن طريق جعل الرأس الحربي أخف وزنًا أو زيادة حجم خزان الوقود.
وأضاف أن صور حطام المسيّرة أظهر على ما يبدو محركًا إيرانيًا الصنع “أداءه أعلى قليلا” من المحرك الذي يظهر عادة في صاروخ “صماد-3″، لكنه أشار أيضًا إلى أنّه من غير الواضح “ما إذا كانت هذه نسخة قياسية من “صماد 3″، والتي حالفها الحظ وتمكّنت من النجاح، أو ما إذا كانت نسخة مطورة أو محسنة قليلًا”.
وقال هينز إنه كان من الصعب تحديد المكان الدقيق الذي انطلقت منه الطائرة بدون طيار، نظرًا لأنّها غيّرت اتجاهها مرة واحدة على الأقل، أثناء توجهها إلى “تل أبيب” من البحر الأبيض المتوسط، وأضاف أنّه “إذا كان الحوثيون قد طوروا طائرة بدون طيار طويلة المدى، فإن مثل هذا السلاح سيوفر لهم زوايا هجوم جديدة يمكن أن تضع ضغوطًا إضافية على أنظمة الكشف والقدرات الإسرائيلية”.