انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية الرابعة عشرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية يوم الجمعة 28 يونيو 2024 بتقدم مرشحين اثنين هما الطبيب الجراح الإصلاحي مسعود بزشكيان والمفاوض النووي البارز الأصولي سعيد جليلي. حيث حصل الأول على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى بواقع 10 ملايين و415 ألفاً و991 صوتاً، بينما بلغ تعداد الأصوات التي حصل عليها جليلي 9 ملايين و473 ألفاً و298 صوتاً.

وكان ذلك من بين إجمالي عدد المصوتين الفعليين الذين ذهبوا لصناديق الاقتراع في مختلف مناطق إيران والذي بلغ 24 مليوناً و535 ألفاً و185 شخصاً، بينما يبلغ عدد المسموح لهم قانوناً بالتصويت في الانتخابات الإيرانية 61 مليوناً و452 ألفاً و321 شخصاً.

ومع تقدم بزشكيان وجليلي على بقية المرشحين من حيث عدد الأصوات في الجولة الأولى، إلا أن أياً منهما لم يصل إلى النسبة المطلوبة لإعلانه رئيساً للجمهورية وهي 50% من إجمالي الأصوات الفعلية.

قاد ذلك الانتخابات إلى جولة ثانية في الجمعة التالية يوم 5 يوليو 2024، والتي حصل فيها بزشكيان على أكثر من 16 مليوناً و384 ألفاً و403 أصوات، مقابل 13 مليوناً و538 ألفاً و179 صوتاً للمرشح الأصولي سعيد جليلي، وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية وهيئة الانتخابات فوز المرشح الإصلاحي مسعودي بزشكيان برئاسة الجمهورية.

وقد بلغت نسبة المشاركة العامة في الجولة الثانية من الانتخابات 49.8% مقابل حوالي 40% نسبة مشاركة في الجولة الأولى.

كيف انقسم الشارع الإيراني سياسياً بين الإصلاحي بزشكيان والأصولي جليلي؟

على “تليجرام” ووسائل التواصل الاجتماعية الأخرى في إيران، تبلور خلال الأيام الماضية ما يشبه الصراع الحاد في وجهات النظر بين المواطنين بشأن المرشحين الاثنين اللذين خاضا الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية وهما بزشكيان وجليلي.

فعلى تليجرام، انتشرت على سبيل المثال “الهاشتاجات” والجمل القصيرة المتكررة في أغلب التعليقات، التي لا تخلو منها أغلب القصص والأخبار خلال الأسبوع الأخير في إيران، من قبيل “فقط بزشكيان” و”مسعود بزشكيان” و”بزشكيان والسلام”. وعلى الناحية الأخرى، نجد الداعمين لسعيد جليلي تحت شعارات “صوتنا لسعيد جليلي” و”رئيس الجمهورية سعيد جليلي” أو “السلام على جليلي”.

وتكرر الأمر نفسه على ذلك النمط على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى في إيران، مثل “إكس” و”إنستجرام”، وذلك بشكل وتواتر سريع وكثيف مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت عام 2021 وفاز بها إبراهيم رئيسي.

وقد انعكس هذا الصراع الحاد في الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي على الشارع الإيراني، حيث شهدت العديد من المدن الإيرانية تجمعات مختلفة خلال الأيام القليلة الماضية التي سبقت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ومن بينها العاصمة طهران، لدعم إما مسعود بزشكيان أو سعيد جليلي.

وكان من الملاحظ أيضًا تزايد عدد وحجم هذه التجمعات مقارنةً، على سبيل المثال، بالانتخابات الأخيرة عام 2021 التي قادت لفوز رئيسي. بل إن مؤيدين لبزشكيان وجليلي قد تجمعوا أمام وحول مؤسسات حيوية في إيران من بينها هيئة الإذاعة والتلفزيون بعد انعقاد المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين المرشحين الاثنين يوم 2 يوليو الجاري إلى جانب احتشاد أنصارهما في النوادي الواسعة مثل ملعب “حيدرنيا” في طهران.

وعلاوة على ذلك، تجمع المواطنون العاديون في الميادين العامة خلال بث المناظرات التلفزيونية بين بزشكيان وجليلي لمشاهدتها، في مشهد يدل على اهتمام واضح بالاطلاع على ما في جعبة كلاهما من أفكار وبرامج.

لماذا انقسم الشارع الإيراني بشدة بين بزشكيان وجليلي؟

تتعدد الأسباب التي بلورت حالة الانقسام الحادة في الآراء ووجهات النظر بين المواطنين في إيران بشأن مرشحي الانتخابات الرئاسية في البلاد قبل الإعلان عن فوز بزشكيان في السادس من يوليو الجاري. وتتمثل أبرز هذه الأسباب فيما يلي:

  1. محاولة اقتناص فرصة مرور الجمهورية الإسلامية بمرحلة حساسة:  

شجّعت الظروف الحالية التي تمر بها الجمهورية الإسلامية على إيجاد حالة من الانقسام في الآراء السياسية بالشارع الإيراني خلال الانتخابات الرئاسية التي انتهت في 5 يوليو الجاري، وذلك سواء من قبيل إدراك المواطنين استعداد النظام وتهيئته الأجواء بشكل غير مباشر لمرحلة ما بعد المرشد الأعلى الحالي، علي خامنئي، أو من حيث سعي المواطنين على أي حال لإحداث تغيير في هوية من يجلس على كرسي الرئاسة بعد وفاة الرئيس السابق الأصولي، إبراهيم رئيسي، في حادث طائرة شمال غربي البلاد يوم 19 مايو الماضي.

وكان قسم كبير من المواطنين الإيرانيين لا يرغب في فوز شخصية أصولية مرة أخرى بكرسي الرئاسة في طهران؛ خاصة في ظل عدم توافق بعضهم مع سياسات الرئيس السابق إبراهيم رئيسي التي يرون أنها كانت متشددة في قضايا بعينها مثل قضايا المرأة ومسألة “الحجاب الإجباري”. إذ يرى الكثير من المواطنين في إيران أن جلوس سياسي إصلاحي على كرسي الرئاسة في البلاد قد يغير من هذه السياسات، ما دفعهم خلال الأيام الماضية لمحاولة اقتناص الفرصة لدعم مرشح إصلاحي في ظل لحظة حساسة تمر بها الجمهورية الإسلامية.

  • رغبة المواطنين العاديين في فوز رئيس إصلاحي لأهداف اقتصادية وسياسية:

سعى كثير من المواطنين الإيرانيين لانتخاب رئيس إصلاحي؛ أملاً منهم في أن برامج هذا التيار، التي تميل أكثر إلى الانفتاح على الغرب، قد تساعد اقتصادهم على التحسن، وبالتالي زيادة فرص العمل والدخول المادية.

وقد أظهرت استطلاعات رأي داخلية في إيران تفوق بزشكيان على جليلي قبل الإعلان عن النتائج رسميًا في 6 يوليو الجاري، مثل استطلاع مؤسسة “إسبا” الذي أُجري قبل انتخابات الجولة الثانية بـ 3 أيام، وأظهر حصول بزشكيان على 49.5% وجليلي على 43.9%.

ودفعت الطموحات الاقتصادية المواطنين في إيران إلى تأييدهم للإصلاحي بزشكيان ومحاولتهم إيصاله إلى كرسي الرئاسة من أجل إحداث تغيير ملموس في العملية الاقتصادية وفي علاقات طهران مع الخارج، خاصة مع الدول الأوروبية التي يمكن لشركاتها أن تستثمر كثيرًا داخل السوق الإيرانية على غرار ما حدث بعد التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، بغض النظر عن مصير هذه الاستثمارات التي تضررت لاحقًا مع توتر العلاقات بشدة بين إيران والغرب.

ويمكن القول إن المناظرتين اللتين أُجريتا بين بزشكيان وجليلي قد حُسمتا لصالح الأول عند المواطن العادي؛ ذلك لأنه بإمكاننا القول إن بزشكيان عبّر عن أهداف وبرامج يرغب فيها الكثير من الإيرانيين تقود في النهاية إلى الانفتاح على الغرب وتنمية الاقتصاد المحلي.

  • سعي الأصوليين وكثير من المتنفذين داخل إيران لفوز جليلي:

تعمّقت حالة الجدل السياسي خلال الأيام الماضية بشأن المرشحين الاثنين للانتخابات الإيرانية، مع دعم الكثير من الأصوليين والحرس الثوري ومتنفذين داخل الدولة الإيرانية لفوز سعيد جليلي، برغم دعم مواطنين آخرين لبزشكيان، ما عزز من ذلك الجدل الداخلي وجعل قسمًا كبيرًا من المواطنين المؤيدين لبزشكيان في جانب والأصوليين في جانب آخر.