هل إيران موشكة على الانفتاح للغرب؟ – جريدة عُمان

ترجمة – أحمد شافعي –

نعِم المولعون بالانتخابات في الآونة الأخيرة بالكثير للغاية منها في بلاد كبرى. وذلك في نهاية الأسبوع الماضي، بانتخابات في فرنسا والمملكة المتحدة وإيران، وبطبيعة الحال، على رأي الأغنية الشهيرة، «هذه أشياء لا تتشابه».

أغلب السلطة في إيران لا يخص الرئيس المنتخب الذي اختاره الشعب هذا الشهر وإنما يخص المرشد الأعلى غير المنتخب آية الله علي خامنئي الذي تتضمن قائمة سلطاته الطويلة دورا مهيمنا في تقرير من يترشح في الانتخابات في المقام الأول. ويعلم الإيرانيون هذا، ولذلك فإن 60% منهم رفضوا التصويت في الجولة الانتخابية الأولى، فكان ذلك تاريخيًا أدنى مستوى للمشاركة. وفي جولة الإعادة في الخامس من يوليو ارتفع الإقبال إلى 50%، ليبقى المستوى منخفضا تاريخيا.

لكنها لم تكن تمثيلية كاملة. فقد مثلت الانتخابات منافسة حقيقية بين فصائل مختلفة داخل النظام. فلا شك في أهمية انتقال الرئاسة إلى مسعود بيزشكيان، وهو أول سياسي من الفصيل الإصلاحي في إيران يتولى هذا المنصب منذ عام 2005. وهو يعني أيضا تغييرا محتملا في توجه السياسة الخارجية لإيران. فلم يكن بيزشكيان، جراح القلب السابق البالغ من العمر تسعة وستين عاما، ليتمكن من الترشح دون مباركة من خامنئي، لأن هيئة غير منتخبة وموالية للمرشد الأعلى هي التي تقوم بفحص جميع المرشحين في المقام الأول. وقد أعلن بيزشكيان مرارًا ولاءه لرأس الدولة خلال الحملة الانتخابية. ولكن محض السماح له بالترشح يشير إلى أن خامنئي قلق من عزلة إيران العالمية التي طال أمدها.

في جولة الإعادة الأخيرة من التصويت، عرض المرشحان المتبقيان اتجاهات مختلفة تماما بالنسبة لإيران. فبالنسبة لمنافس بيزشكيان، سعيد جليلي، لم تكن عزلة إيران عن الغرب والعقوبات القاسية المفروضة على الاقتصاد الإيراني مصدر قلق. وهو يعتقد أن إيران يجب أن تلجأ بشكل حاد إلى التحالف المناهض للغرب وتوطيد علاقتها مع دول من قبيل روسيا. وكان من الأفكار التي روّجها مرارًا وتكرارًا في المناظرات الرئاسية المتلفزة أن تصدر إيران الخضروات إلى روسيا لتعويض تعطيل التجارة مع الاتحاد الأوروبي. كما زعم أن هذه الفكرة التجارية ستبلغ قيمتها أحد عشر مليار دولار، برغم أن مدققي المعلومات اختلفوا معه.

أما بيزشكيان فما كان بالإمكان أن تكون أجندة حملته الانتخابية أشد اختلافا. فقد أكد أنه حتى علاقات إيران الاقتصادية مع دول من قبيل الصين تتوقف على رفع العقوبات. إذ أبدى أسفه من حقيقة أن إيران تضطر إلى تقديم تخفيضات كبيرة على الصادرات إلى بكين ودول أخرى من أجل التحايل على العقوبات الغربية. ودعا إلى العودة إلى التواصل الدبلوماسي مع الغرب، وهو مسار اختبره من قبل المرشح الوسطي حسن روحاني الذي تولى الرئاسة من عام 2013 حتى عام 2021 وما زال مكروها بشدة لدى المتشددين.

غير أن الأفعال أصدق من الأقوال، وفريق بيزشكيان الأساسي يبدي نهجا مختلفا. ولقد ظهر جواد ظريف -وزير خارجية روحاني- فعليًا بوصفه شريك بيزشكيان في الترشيح. وما من رجل دولة إيراني آخر يجسّد الرغبة في التفاوض مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، أكثر من ظريف الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وينعم بامتياز نادر هو أنه من المقربين إلى خامنئي ومن المفضلين لدى الإصلاحيين في النظام. وقد تم تعيين ظريف بالفعل رئيسًا لمجموعة عمل السياسة الخارجية للرئيس المنتخب بيزشكيان. ومن المرجح أن يتم تعيين رفيقه القديم ونائبه عباس عراقجي وزيرًا للخارجية في الحكومة الجديدة.

[من المؤكد] أن رؤية العالم لدى خامنئي أقرب بكثير إلى رؤية جليلي منها إلى رؤية بيزشكيان. لكن لعل من الأسباب التي دعته إلى أن يؤيد سرًا انتصار الأخير هو إحساسه الإستراتيجي بأن إيران تتعرض لضغوط شديدة الخطورة من الغرب والعقوبات المفروضة منه. ولقد ورد ذكر عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض مرارا خلال الحملة الانتخابية الإيرانية. بل إن أحد المرشحين المتشددين اتهم معارضيه بتأجيج «رهاب ترامب» لتبرير عودتهم إلى السلطة.

لكن الإيرانيين أيضا راقبوا عن كثب الانتخابات البريطانية التي كان فوز كير ستارمر الساحق فيها متوقعا منذ أشهر. وتحرك أي دولة من يمين الوسط إلى يسار الوسط عادة ما يبشر بالخير في ما يتعلق بالتعامل الدبلوماسي مع طهران، ولكن قد لا يكون هذا هو الحال بالضبط هذه المرة.

لقد رحب العديد من معارضي النظام الإيراني بانتصار ستارمر منذ أن تعهد بوضع الحرس الثوري الإسلامي على قائمة المملكة المتحدة للمنظمات الإرهابية، وهو أمر لم يفعله المحافظون قط. واحتفاء بانتصار ستارمر، نشرت صحيفة «كيهان لندن» الناطقة بالفارسية وذات الميول اليمينية عنوانًا رئيسيًا هو «معارضو إعلان الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية يسقطون من السلطة»، في حين تساءلت صحيفة «زمانه» اليسارية التي تصدر في أمستردام عما إذا كان صعود ستارمر إلى السلطة سيؤدي إلى «سياسة خارجية أكثر قسوة تجاه إيران». وفي الوقت نفسه، قضت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية سنوات في مهاجمة ستارمر مع الثناء على سلفه زعيم لحزب العمال جيريمي كوربين الذي كان يظهر بانتظام على قناة «برس. تي. في» الناطقة باللغة الإنجليزية في طهران.

وإذن فإن أنصار التشدد سياسيا تجاه إيران يأملون أن يجدوا في ستارمر حليفًا لهم. إذ أعلنت منظمة «متحدون ضد إيران النووية» في واشنطن أخيرًا أن «حزب العمال تعهد بحظر الحرس الثوري الإيراني»، مضيفة «أن هذا سيكون أول اختبار سياسي حقيقي لكير ستارمر في ما يتعلق بمعاداة السامية». ولعل الصقور يحلمون بشراكة محتملة بين ترامب وستارمر، متحدين ضد طهران.

قد يكون هذا تفكيرا تفاؤليا. فما يغيب على العديد من الصقور من مؤيدي ترامب هو نفور الرئيس السابق من ماضي المحافظين الجدد في حزبه. صحيح أنه تبنى، خلال وجوده في السلطة، سياسة الضغط الأقصى على إيران، لكنه قال مرارًا إنه لا يرغب في تغيير النظام ويريد عقد صفقة مع الجمهورية الإسلامية برئاسة القادة أنفسهم. فباختصار، حتى لو أصبح الثنائي ستارمر وترامب الفريق الأطلسي الذي يواجه إيران، فمن المرجح أن ينخرطا في المفاوضات التي يدعو إليها بيزشكيان والقيادة الدبلوماسية الجديدة في طهران.

لا يعني ذلك أن هذه المحادثات ستكون سهلة. فلن تقتصر الحواجز التي تعترضها على برنامج إيران النووي الذي يتطور بسرعة فحسب، بل ستشمل دعمها للميليشيات المناهضة لإسرائيل مثل حماس وحزب الله والحوثيين. ويعد هذا الدعم أساسيًا لأسس النظام ومظهر خامنئي، وفي هذا النطاق لا يبدو الرئيس الإصلاحي المنتخب حديثًا مستعدًا للتغيير. فقد كتب بيزشكيان بالفعل إلى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، متعهدا بمواصلة الدعم. كما تحدث هاتفيا مع فلاديمير بوتين، وأعلن، وفقًا للكرملين، استعداده «لتوسيع التعاون المتبادل». قد لا يكون بوتين سعيدا بعودة ظريف، الذي لا تخفى على أحد كراهيته لدفء العلاقات بين طهران وموسكو. (وذهب آخرون في فلك روحاني، ومنهم الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث انتقدوا بشدة دعم إيران للغزو الروسي لأوكرانيا، بل ودعمها للميليشيات المناهضة لإسرائيل). لكن فريق مستشاري الرئيس المنتخب يتضمن أيضا مهدي سنائي، وهو سفير سابق في موسكو يجيد الروسية ويحظى بشعبية كبيرة في الدوائر الدبلوماسية والأمنية الروسية. ومن المرجح أن يحصل على منصب في الحكومة الجديدة.

في الوقت الحالي، ليس من المرجح أن تتغير مواقف الجمهورية الإسلامية العميقة المناهضة للغرب وإسرائيل – فضلًا عن دعمها للميليشيات الإرهابية في مختلف أنحاء المنطقة. لكن صعود بيزشكيان يشير كثيرًا إلى نهج مختلف تجاه الغرب هو محاولة لخفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق لتخفيف العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني. وبشأن أمور كثيرة أخرى في إيران، فإن شكل هذا النهج الجديد ومضمونه سوف يتأثران بالمعارك المستمرة داخل المؤسسة.

آراش عزيزي كاتب ومؤرخ إيراني يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية

عن نيوستيتسمان