الصين تسير ولو ببطء نحو فك استحواذ الدولار الأميركي على سوق الطاقة، وخاصة أسواق النفط، حيث صار اليوان عملة ثانية تفرضها بكين على الأسواق، ومنها الدول الخليجية التي باتت تبدي تعاونا أكبر مع بكين.
الرياض – يؤسس انضمام المملكة العربية السعودية لمشروع منصة م.بريدج في الخامس من يونيو الجاري والذي سيمنحها إمكانية الوصول إلى معاملات العملة الفورية ومنخفضة التكلفة عبر الحدود، والتي ستستخدمها لبيع النفط إلى الصين إلى كسر احتكار الدولار للمعاملات النفطية العالمية وهو ما يؤدي في نهاية المطاف، حسب محللين، إلى ولادة البترويوان.
وتسعى العديد من الدول إلى تطوير العملات الرقمية للبنوك المركزية (سي.بي.دي.سي) لتحقيق الأمان وسهولة الوصول إلى الخدمات المالية ما قد يساهم أيضا في تقليل التكاليف وتسهيل المعاملات المالية العابرة للحدود.
والعملة الرقمية المركزية (سي.بي.دي.سي) هي نوع من العملات الرقمية التي يصدرها بنك مركزي معين. وعلى الرغم من تشابهها مع العملات المشفرة، إلا أن قيمتها محددة بواسطة البنك المركزي وتتوازى مع العملة التقليدية لذلك البلد.
ومع عضوية السعودية في م.بريدج، فإن السؤال ليس ما إذا كنا سنرى تحولًا إلى استخدام العملة الرقمية للبنك المركزي في شراء النفط، مما يشير إلى الابتعاد عن الدولار الأميركي، إذ أن الصين هي أكبر عميل للنفط السعودي، واليوان هو أقوى منافس ليحل محل الدولار نظرا إلى زيادة التجارة بين البلدين.
ويشير تورين أنه بناء على ذلك لن يتأثر استخدام الدولار في النفط فحسب؛ إذ ستقوم م.بريدج بكسر احتكار نظام سويفت الغربي للمدفوعات عبر الحدود.
وتستخدم البنوك المركزية نظام سويفت لإرسال رسائل موحدة حول عمليات تحويل المبالغ في ما بينها، وتحويلات المبالغ للعملاء، وأوامر الشراء والبيع للأصول.
ووفقًا للمجلس الأطلسي، فإن 134 دولة واتحادًا نقديًا، يمثلون 98 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يستكشفون الآن تطوير العملة الرقمية للبنوك المركزية.
وتشمل دوافع البنوك المركزية للتحقيق في العملات الرقمية للبنوك المركزية زيادة كفاءة الدفع، حيث يمكن أن تسمح العملات الرقمية للبنوك المركزية بالدفع شبه الفوري بين الدافع والمدفوع له. ولهذه الجودة أهمية خاصة بالنسبة إلى المعاملات الدولية، التي تعتبر مكلفة وبطيئة بشكل عام.
وتشمل المزايا الأخرى للعملات الرقمية للبنوك المركزية زيادة الشمول المالي والسلامة والقوة الشاملة لأنظمة الدفع الوطنية.
وتم إطلاق مشروع م.بريدج في عام 2021 من قبل مركز الابتكار التابع لبنك التسويات الدولية، وبنك تايلاند، والبنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومعهد العملة الرقمية التابع لبنك الشعب الصيني، وسلطة النقد في هونغ كونغ.
ولقد تمّ تحسين م.بريدج لمدة ثلاث سنوات وخضعت لاختبارات صارمة، بما في ذلك التجارب الحية التي تمّ فيها إرسال ما قيمته 22 مليون دولار عبر المنصة. وتعد المنصة عنصرًا رئيسيًا في خطط الصين لاستخدام اليوان الرقمي في التجارة الدولية.
ومن المرجح أن تبدأ م.بريدج العمل في وقت مّا في منتصف عام 2025 وتبدأ حقبة جديدة من تحويلات العملات الرقمية للبنوك المركزية.
تأثير م.بريدج على سويفت
م.بريدج سوف تسمح بالتحويلات بين الدول النامية التي لا يخدمها النظام المالي القائم على الدولار بشكل جيد
يمثل م.بريدج تغييرا كبيرا في تحويل الأموال عبر الحدود. وفي الوقت الحالي، تتم معظم التحويلات باستخدام شبكة جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك سويفت.
وفي حين أن نظام سويفت هو العمود الفقري لتحويلات العملة العالمية، فقد اشتكى المستخدمون وحتى محافظو البنوك المركزية من بطئه، حيث تستغرق المدفوعات ما بين يوم وخمسة أيام، إضافة إلى كلفته. ووجد البنك الدولي أن متوسط تكلفة إرسال 200 دولار من بلد إلى آخر كان حوالي 12.5 دولار أو 6.25 في المئة.
وسويفت مسؤولة أيضًا عن الحفاظ على الحظر المفروض على البلدان أو الكيانات التي تظهر في قوائم العقوبات. ومن الأمثلة على ذلك الحظر الجزئي الذي فرض على استخدام روسيا سويفت في عام 2022 كجزء من حزمة العقوبات الأميركية أو الحظر الكامل الذي فرض على إيران وكوبا.
وتعتبر م.بريدج، وهي بديل لـسويفت، بمثابة “أداة للتهرب من العقوبات” إذ أنها ستتعامل مع العقوبات بشكل مختلف.
وبدلاً من فرض العقوبات على المستخدمين بشكل نشط على مستوى المنصة، كما تفعل سويفت، ستسمح م.بريدج للبنوك المركزية بمراقبة وتنفيذ قوائم العقوبات الخاصة بها.
بينما تتفاوض واشنطن على “اتفاقية تحالف إستراتيجي” جديدة مع السعودية، إلا أنها غارقة في التأخير بسبب اشتراط أن تكون للمملكة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل
وتزيد التقارير المزيفة التي تفيد بأن السعودية يمكنها الآن بيع النفط بأيّ عملة ترغب فيها بعد انتهاء الاتفاقية الأمنية التي تفاوض عليها هنري كيسنجر عام 1974 مع الرياض في التاسع من يونيو الجاري الغموض.
وكان الإطار الأساسي لترتيب عام 1974 هو أن الولايات المتحدة ستشتري النفط من السعودية وتزود المملكة بالمساعدات والمعدات العسكرية. وفي المقابل، سيستثمر السعوديون المليارات من عائداتهم من النفط في سندات الخزانة لتمويل الإنفاق الأميركي.
وتستند مزاعم التقارير المزيفة إلى حقيقة أن الترتيبات الأمنية لا تنص على أنه يجب على السعوديين بيع النفط مقابل الدولار الأميركي فقط.
والخلاف الآخر هو أن السعودية باعت تاريخياً النفط مقابل عملات أخرى غير الدولار. وفي حين أن هذا صحيح، إلا أنه لا جدال في أن معظم مبيعات النفط السعودي منذ عام 1974 كانت بالدولار الأميركي.
ولموازنة مزاعم التقارير المزيفة انضمت السعودية إلى م.بريدج قبل أربعة أيام من انتهاء الاتفاقية الأمنية. ويمكن اعتبار ذلك بمثابة تطور في القدرة أو إشارة واضحة لواشنطن بأن الأمور المعتادة قد انتهت.
وبينما تتفاوض واشنطن على “اتفاقية تحالف إستراتيجي” جديدة مع السعودية، إلا أنها غارقة في التأخير بسبب اشتراط أن تكون للمملكة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
سوف تؤثر م.بريدج بشكل عميق على إلغاء الدولرة إذا أصبحت المدفوعات الرقمية باليوان مقابل النفط هي القاعدة.
ولن تؤدي هذه المدفوعات إلى “إزاحة أو إسقاط أو إطاحة” الدولار، لكنها تخلف تأثيراً عميقاً رغم ذلك.
ولم تذكر الحكومة الصينية، التي تحتفظ باحتياطيات من العملات الأجنبية تبلغ 3.2 تريليون دولار، قط أنها تسعى إلى الإطاحة بالدولار.
وبلغت واردات الصين من النفط الخام من السعودية في عام 2023 حوالي 63 مليار دولار أميركي.
ومن باب المقارنة، حولت سويفت نحو 150 تريليون دولار في عام 2023، منها ما يقرب من 59 في المئة بالدولار الأميركي.
ويُظهر عدم التطابق هذا كيف أن التأثير العالمي للبترويوان سيكون صغيرًا من حيث القيمة الحقيقية ولكنه كبير على الساحة الجيوسياسية.
ومع البترويوان، ستكون الصين قد استخدمت اليوان الخاص بها لشراء سلعة كانت متاحة في السابق بالدولار فقط.
وفي حين أن التأثير العالمي للبترويوان من المرجح أن يكون متواضعاً وأن تكون عملية التخلص من الدولار بطيئة، فإن هذا لا يعني أنها لن تكون مدمرة.
وفي الوقت الحالي، فإن 77 في المئة من إجمالي تجارة العملات الأجنبية إلى الصين، والتي تتم عن طريق سويفت، تتطلب صرفا أجنبيا على مرحلتين، حيث يستخدم الدولار كوسيط مما يضيف النفقات إلى المعاملة.
وسوف تسمح م.بريدج بالتحويلات بين الدول النامية التي لا يخدمها النظام المالي القائم على الدولار بشكل جيد.
ومن المرجح أن يؤدي وضع عملات مجموعة بريكس أو الدول النامية الأخرى على م.بريدج إلى زيادة سيولة السوق بسبب تدخلات البنوك المركزية والتجارية التي تسعى إلى تعزيز التجارة المباشرة بين هذه الدول.
وتتصدر آسيا تطوير العملات الرقمية للبنك المركزي، وإذا تم إجراء التجارة بين هونغ كونغ وكوريا واليابان والصين باستخدام العملات الرقمية للبنك المركزي دون الدولار، فقد يتأثر استخدام الدولار في ما يقرب من 20 في المئة من تجارة الصين البالغة 5 تريليونات دولار أميركي.
وسوف يكون التخلص من الدولرة بطيئاً إلى أن يأتي يوم لن يكون كذلك، ربما بسبب صدمة اقتصادية أو كارثة اقتصادية.
العرب