هل-تتحمل-“إسرائيل”-كلفة-الحرب-على-لبنان؟-•-نون-بوست-–-نون-بوست

هل تتحمل “إسرائيل” كلفة الحرب على لبنان؟ • نون بوست – نون بوست

وصل منسوب التصعيد على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة وجنوب لبنان، بين الاحتلال الإسرائيلي و”حزب الله”، إلى مستويات ربما تكون الأكثر سخونة منذ حرب يوليو/تموز 2006، وذلك في أعقاب تهديد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس باتخاذ ما أسماه “قرارات لازمة” ضد الحزب لوقف هجماته على المستوطنات الإسرائيلية في الشمال المحتل.

وفي بيان له قال كاتس: “لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لحزب الله بمواصلة مهاجمة أراضيها ومواطنيها، وسنتخذ القرارات اللازمة قريبًا”، ورغم أن البيان لم يحدد طبيعة ولا نوعية تلك القرارات، فإن التقديرات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين تذهب إلى احتمالية أن يشن الاحتلال حربًا شاملة على لبنان وفق المؤشرات التي شهدتها الساحة منذ بداية حرب غزة الحالية وفي الأشهر الثلاث الأخيرة على وجه التحديد.

وكان الجيش الإسرائيلي قد صادق الثلاثاء الماضي على خطط عملياتية لهجوم واسع على لبنان دون الدخول في تفاصيل، الأمر الذي يدفع للتساؤل: هل يتحمل الاحتلال كلفة تلك الحرب حال شنها؟ وما هي مقاربات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في توسيع دائرة الصراع في المنطقة رغم فشله في الخروج من وحل غزة؟ ثم ما هي حسابات كل من “حزب الله” وطهران إزاء هذا التصعيد واحتمالية اندلاع مواجهات عسكرية مباشرة مع “إسرائيل”؟

نتنياهو ومقاربات الهروب للأمام

منذ اليوم الأول لحرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ويحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي توسعة دائرة الصراع قدر الإمكان، مع إيران وأذرعها المسلحة في المنطقة، في لبنان واليمن والعراق وسوريا، وزادت وتيرة تلك المحاولات خلال الآونة الأخيرة على وجه الخصوص في ضوء عدد من المقاربات والدوافع:

أولًا: الهرب من وحل غزة.. حين أعلن نتنياهو الحرب على قطاع غزة ردًا على عملية طوفان الأقصى، ما كان يدور بخلده ولا مخيلة جنرالاته أن يواجه بتلك المقاومة الشرسة التي كبدته خسائر فادحة على كل المستويات، وأفشلت مهام الجيش في تحقيق أي من أهدافه الثلاث (القضاء على حماس- تحرير الأسرى – ضمان ألا يشكل القطاع تهديدًا للداخل الإسرائيلي) رغم مرور قرابة 9 أشهر على تلك الحرب الأطول في تاريخ الصراع.

ومع استنفاد نتنياهو لكل مبرراته وحججه في الاستمرار بالعملية العسكرية داخل مختلف مناطق القطاع، وفشله في إحكام السيطرة على أي منها بشكل كامل، والعجز عن تحقيق الأهداف المطلوبة، في مقابل صمود أسطوري للمقاومة والغزيين، تحولت غزة إلى فخ ومستنقع بات من الصعب الاستمرار فيه، كما أنه من المخجل للكيان الانسحاب منه بهذه الكيفية دون الترويج لانتصار زائف أو اختلاق مبرر قوي للخروج، وإلا فالتبعات ستكون مزلزلة.

ومن ثم كان لا بد من توجيه الأنظار نحو ساحة جديدة لمعركة أخرى، ولم يجد نتنياهو أفضل من الساحة اللبنانية لأداء هذا الدور، وعليه جاءت تصريحات هيئة البث الإسرائيلية بشأن الاستعداد للإعلان قريبًا عن هزيمة كتائب القسام بعد انتهاء معركة رفح جنوبًا، وذلك رغم التصريحات الصادرة عن كبار النخبة السياسية والعسكرية داخل “إسرائيل” التي تصف مسألة القضاء على حماس بالعملية المستحيلة، آخرها ما جاء على لسان المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، التي قال فيها إن تدمير الحركة ذر للرماد، وأن القضاء عليها عملية غير واقعية، مضيفًا في مقابلة مع القناة الـ13 الإسرائيلية، أن حماس بالفكرة المغروسة في قلوب الناس التي لا يمكن إخفاؤها، وهي التصريحات التي تطيح بالهدف الأول المعلن لتلك الحرب والخاص بالقضاء على الحركة بشكل نهائي، وضمان ألا تشكل تهديدًا للداخل الإسرائيلي.

وتكشف التطورات الميدانية اليومية عن كذب ادعاءات الاحتلال بشأن هزيمة المقاومة وإحكام السيطرة على كل مناطق القطاع، حيث قدرة حماس وغيرها من الفصائل على استعادة حضورها وعملياتها مجددًا في معظم المناطق التي ادعى جيش الاحتلال الهيمنة عليها تمامًا، وهو ما حدث في الشمال والوسط وفي خان يونس وحتى في رفح، الأمر الذي حول تصريحات هيئة البث الإسرائيلية إلى مادة دسمة للسخرية في الداخل والخارج على حد سواء.

YouTube video

ثانيًا: استعادة الدعم الدولي المتراجع.. أفضت إدارة نتنياهو للحرب في غزة إلى فقدانه للكثير من الدعم الدولي، وخلق مزاج شعبي عالمي مناهض للاحتلال وداعم للقضية الفلسطينية وحقوق شعب غزة، هذا بخلاف التنديد الدولي داخل المحافل والهيئات والمحاكم الدولية، الأمر الذي أثار قلق داعمي الكيان من تآكل هذا الدعم، وتعريض مستقبله للخطر.

وعليه فإن شن حرب على الجبهة اللبنانية من شأنه – بحسب رؤية نتنياهو – استعادة بعض من هذا الدعم، خاصة أن السردية الإسرائيلية تذهب إلى أن الحرب تستهدف إيران في المقام الأول، عبر ذراعها الحزبي، وليس لبنان كدولة، وهي الرواية التي من الممكن تمريرها لكسب التعاطف الدولي واستعادة بعض من الدعم المتراجع، في ظل الأجواء المتوترة بين طهران والمعسكر الغربي الداعم للاحتلال.

ثالثًا: تأجيل نهاية نتنياهو سياسيًا.. يعلم رئيس الحكومة الإسرائيلية، وجنرالاته وحلفاؤه من اليمين المتطرف، أن نهاية الحرب في غزة تعني نهايتهم السياسية، وفي المقابل، فإن إطالة أمد التوتر والصراع من شأنها تأجيل تلك النهاية، وهو ما يتم التخطيط له منذ الشهر الثالث للحرب وبعد التيقن بالفشل في تحقيق أي من أهدافها.

ومن هنا فإن فتح جبهة جديدة للصراع في الشمال مع “حزب الله”، حتى لو كان مقابل هدوء الساحة الغزية، سيُدخل المعركة في نفق جديد من التوتر والصراع، يضعها على أجهزة التنفس الصناعي، وبالتبعية يُبقي نتنياهو هو الآخر على قيد الحياة السياسية، ويؤجل حسم مستقبله حتى إشعار آخر، حتى لو كان الثمن إدخال “إسرائيل” في حرب جديدة رغم فشلها في الانتصار بالحرب الحالية، وهي الاتهامات التي دومًا ما كان يرددها خصوم نتنياهو السياسيين بشأن مساعيه لخدمة أهدافه الخاصة على حساب مصالح الكيان وأمنه واستقراره.

طهران وثنائية الثأر وإعادة التموضع

ينطلق حزب الله – ومن خلفه طهران – من وراء تصعيده العسكري – في الآونة الأخيرة تحديدًا – مع الاحتلال من خلال عدد من الاعتبارات والمقاربات الخاصة:

– رد الاعتبار والثأر للعمليات النوعية التي شنتها قوات الاحتلال ضد أهداف إيرانية ولبنانية، في الداخل اللبناني وخارجه، وأسقطت الكثير من كبار القادة من الساسة والعسكريين، هذا بخلاف الرد على ما يثار بشأن تورط إسرائيلي في إسقاط الطائرة الرئاسية التي راح ضحيتها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته وعدد من مرافقيه.

وقد تجد طهران في هذا التصعيد شفاءً لغليلها وفرصةً للانتقام ورد الاعتبار، بما يتلاءم مع مقاربتها في تجنب المواجهات المباشرة مع الاحتلال والتي من الممكن أن يتكبد فيها الإيرانيون خسائر فادحة في ظل الخروقات الأمنية التي يعاني منها جدارهم الأمني والاستخباراتي.

منذ استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق وما تلاها من عمليات إسرائيلية غيرت بها قواعد الاشتباك المعمول بها بين إيران و”إسرائيل”، تحاول طهران إسراع الخطى نحو إعادة تموضع يعيد لها نفوذها المتراجع، ويفرض قواعد اشتباك جديدة تلتزم بالخطوط الحمراء الموضوعة من الطرفين بما لا يُسمح بتخطيها، وهو ما يفسر عملية (مسرحية) استهداف الداخل الإسرائيلي بالطائرات المسيرة وما أعقبه من رد إسرائيلي عليها في العمق الإيراني والتي جرت تحت مباركة الولايات المتحدة.

دعم المقاومة في غزة وبعثرة أوراق الاحتلال، حيث تحاول طهران توظيف الحرب في غزة لخدمة أجندتها الإقليمية، والتي من بين أدواتها دعم محور المقاومة وإبقائه على حالة الندية وتكبيد الكيان الخسائر الفادحة، ومن ثم ليس من مصلحة طهران القضاء على فصائل المقاومة، وعليه جاء إشعال الجبهة اللبنانية واليمنية والسورية والعراقية، لتشتيت المحتل وبعثرة أوراقه بما يحافظ على معادلة الردع والتوازن وبما يحول دون أي تفوق مطلق للإسرائيليين.

هل تتحمل “إسرائيل” كلفة تلك الحرب؟

على المستوى الخارجي فإن فتح جبهة حرب جديدة في الجنوب اللبناني من شأنه أن يثير قلق وامتعاض إدارة جو بايدن، الذي يسابق الزمن لفرض حالة من التهدئة يوظفها سياسيًا وشعبيًا لخدمة الديمقراطيين وحظوظهم في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

كما أن إشعال المنطقة وبجانب أنه يهدد مصالح أمريكا في الشرق الأوسط فإنه يخدم في المقابل أهداف خصومها من الروس والصينيين، إذ يعتبرون المستفيد الأول من تأجيج المشهد وتوريط الولايات المتحدة في هذا الوحل، خاصة بعد الحديث عن الشراكة الروسية مع كوريا الشمالية وهي الخطوة التي أثارت قلق الأمريكان بشكل كبير.

الوضع ذاته مع حلفاء “إسرائيل” من الأوروبيين، والذي ليس في مصلحتهم تمدد الصراع وفتح جبهات نزاع جديدة، خاصة بعد تهديد أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، لقبرص بأنها ستكون في مرمى الاستهداف، في حال استخدام “إسرائيل” لمطاراتها وأجوائها في أثناء شن أي عملية ضد الجنوب اللبناني، ما دفعها للتأكيد على أنها لا تنوي الانخراط بأي شكل من الأشكال في الحرب الحالية الدائرة في المنطقة.

أما على المستوى الداخلي فتقول القناة الـ12 الإسرائيلية إن الجبهة الداخلية ليست مستعدة بما فيه الكفاية لنشوب أي حرب في الوقت الحالي مع حزب الله، مضيفة أن الحكومة كانت قد رصدت 5 مليارات شيكل لخطة تحصين بلدات الشمال خلال 10 سنوات، لكنها لم تُنفَّذ بالكامل، موضحة في الوقت ذاته أنها رصدت مبالغ طائلة لبناء 5 آلاف ملجأ في الشمال، وأن ما بُني منها خلال 10 سنوات يقل عن 400 ملجأ.

YouTube video

وفي السياق ذاته حذر مدير عام شركة إدارة الكهرباء الحكومية الإسرائيلية شاؤول غولدشتاين، الخميس 20 يونيو/حزيران 2024، من أن الكيان غير مستعد للدخول في مثل تلك المواجهات حاليًا، مؤكدًا أن حزب الله يمكنه إسقاط شبكة الكهرباء الإسرائيلية “بسهولة”، وأنه في غضون 72 ساعة من انقطاع الكهرباء لا يمكن العيش في “إسرائيل”، مضيفًا في مؤتمر نظمه معهد الأمن القومي الإسرائيلي “نحن في وضع سيئ ولسنا مستعدين لحرب حقيقية”.

وأضاف في تصريحاته التي نقلتها القناة الـ12 العبرية “لنفترض أن صاروخًا أصاب قطاع الكهرباء وانقطع التيار الكهربائي لمدة ساعة، 3 ساعات، 24 ساعة أو أكثر، ماذا يحدث لإسرائيل في مثل هذه الحالة؟ خلاصة القول هي أنه بعد 72 ساعة لا يمكنك العيش في إسرائيل”، وتابع: “إذا تم تأجيل الحرب لمدة عام أو 5 سنوات أو عقد من الزمن فإن وضعنا سيكون أفضل”.

ويرى المحلل العبري “آموس هاريل” في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” أمس الجمعة، أن الجيش يريد مغادرة غزة لكن نتنياهو لديه أفكار وحسابات أخرى، في ظل حالة الفوضى التي تعصف بالكيان والأزمات التي تحاصره في الداخل والخارج، بعد الفشل في تحقيق أهداف الحرب رغم دخولها شهرها التاسع.

وفي الأخير، وبعيدًا عن طبيعة تهديدات وزير خارجية الاحتلال، وما إذا كانت من باب الدعاية أو على محمل الجد، وبعد استنزاف نتنياهو لكل أوراقه ومبرراته في غزة، والفشل في حصد أي ثمار لعمليته العسكرية الأطول في تاريخ المواجهات مع الفلسطينيين، فإن الدخول في حرب معلنة مع حزب الله مسألة مفتوحة على الاحتمالات كافة، في ظل مقاربات كل طرف، فهل يواصل رئيس الحكومة المأزوم سياسته المعهودة في حرق كل الأوراق، أم يرضخ للضغوط الأمريكية الأوروبية لتلجيم مخطط إشعال المنطقة لصالح حسابات سياسية خاصة؟

image_pdfimage_print