فيما تخيم أجواء اتساع رقعة الحرب على المنطقة على خلفية التهديدات المتبادلة بين حزب الله اللبناني وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، تعكس تحركات القاهرة تمسكاً بخيار التهدئة في غزة ولبنان عبر موقفها الرافض أن تكون جزءاً من تحركات دبلوماسية وأمنية تستهدف حزب الله.
وفيما لم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي من القاهرة محذر لحزب الله من استهداف منشآت وموارد في المنطقة، في أعقاب تهديدات الحزب الأخيرة لقبرص، كان السفير المصري في لبنان علاء موسى من بين السفراء الذين شاركوا، أمس الاثنين، في جولة تفقدية في مطار بيروت نظمتها وزارة الأشغال العامة في لبنان بعد تقرير لصحيفة ذا تليغراف زعم تخزين حزب الله أسلحة فيه. وقال موسى: “تفقدنا مطار بيروت الدولي لإرسال رسالة دعم إلى لبنان ونحث الجميع على تهدئة التوترات”. وأضاف: “نحتاج في الفترة المقبلة إلى التهدئة وخلق مناخ إيجابي لحل أزمات المنطقة”.
علاء موسى: نحتاج في الفترة المقبلة إلى التهدئة وخلق مناخ إيجابي لحل أزمات المنطقة
يشار إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سبق أن أكد، في أزمة مشابهة خلال العام 2017، أنه يعارض الحرب، وذلك رداً على سؤال عن توجيه ضربات عسكرية لإيران أو حزب الله، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز يومها. وأكد السيسي أن أي مشكلة في المنطقة، سواء تعلقت بإيران أو حزب الله، يجب التعامل معها بحذر، مضيفاً: “لا نريد إشكاليات أخرى، ولا زيادة التحديات والاضطرابات الموجودة في المنطقة”.
تجدر الإشارة إلى أن القاهرة سبق أن أبلغت الإدارة الأميركية، في أكثر من مناسبة، رفضها المشاركة في أي محاور تستهدف أطرافاً في الإقليم، مشيرة، في الوقت نفسه، إلى إمكانية مساعدتها في محاولات التوصل إلى تهدئة في غزة ولبنان وخصوصاً بين حزب الله وإسرائيل. وفي مايو/أيار الماضي، قال وزير الخارجية سامح شكري، خلال لقاء على شاشة القاهرة الإخبارية، إن مصر لا تحيد عن مبادئها، وهي مبادئ متسقة وتخدم مصلحة الشعب المصري وتعفيه من الأضرار الناتجة عن التجاذبات والاستقطاب والانجرار إلى مواضع الأزمات.
وأكد أن “من نتائج أزمة غزة توسيع رقعة الصراع، وهو أمر حذرت منه مصر منذ البداية ونتج عنه توسعاً، وكذلك التراشق القائم بين حزب الله وإسرائيل في شمال إسرائيل وكذلك التراشق العسكري بين إيران وإسرائيل، واستمرار استهداف إسرائيل الأراضي السورية عسكرياً، وكذلك ما وقع من اضطراب بالبحر الأحمر لحرية الملاحة واستهداف السفن التجارية، والأضرار التي نتجت عن ذلك في الاقتصاد العالمي وعوائد قناة السويس والتعامل مع هذه التوترات لاستعادة الأمن والسلام”.
تجنب التورط في حل عسكري في غزة ولبنان
وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عمار فايد، بشأن تمسك القاهرة بخيار التهدئة في غزة ولبنان لـ”العربي الجديد”: “أعتقد أن مصر تتبنى سياسة عامة، وهي تجنب التورط في أي عمل عسكري ضد إيران وحلفائها، وهذا ظهر في ما يتعلق بالموقف من العملية البحرية الأميركية ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين)”. وأضاف فايد: “كما نشرتم في العربي الجديد، فإن مصر أكدت في اجتماع المنامة العسكري مؤخراً أنها ليست طرفاً في أي جهود عسكرية تستهدف طرفاً إقليمياً آخر، وذلك في إشارة إلى إيران”.
تتحرك القاهرة في ضغوطها على نتنياهو من خلال رفض فتح معبر رفح، إلا وفقاً لشروط معينة
في موازاة ذلك، تتوالى التصريحات الأميركية عما تصفه باستمرار الجهود، خاصة مع مصر وقطر، لإنقاذ جولة المفاوضات الأخيرة بين المقاومة في قطاع غزة وحكومة الاحتلال، والتي جاءت في أعقاب المبادرة التي أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن لإنهاء الحرب في غزة. وبينما تعلن واشنطن صراحة أنها تطلب من حلفائها في المنطقة أن يمارسوا ضغوطاً واسعة في الوقت الحالي على قيادة حركة حماس عبر ملفات تنسيق مشتركة، فإن تحركات القاهرة في الوقت نفسه تمارس دوراً ضاغطاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بناء على توجيهات أميركية تستهدف الضغط عليه من أجل حثه على إبداء مرونة لتجسير مناطق الخلاف بشأن الطرح الأخير للتهدئة في غزة ولبنان ووقف الحرب على القطاع. وكان نتنياهو أبدى رفضاً قاطعاً للمحاولات الأميركية لإنهاء الحرب واللجوء إلى خطط بديلة مقترحة من الإدارة الأميركية لتحقيق الأهداف المعلنة سلفاً، وهو ما تسبب في خلاف عميق بين نتنياهو وبايدن.
ضغوط مصرية على نتنياهو
وتتحرك القاهرة في ضغوطها على نتنياهو من خلال رفض فتح معبر رفح، إلا وفقاً لشروط معينة. ونقلت “القاهرة الإخبارية”، أمس الاثنين، عن مصدر مصري قوله إن القاهرة أكدت مجدداً رفضها أي تشغيل لمعبر رفح في وجود الاحتلال الإسرائيلي. كما سبق أن نقلت وكالة رويترز عن مصدرين أمنيين مصريين قولهما إن القاهرة رفضت اقتراحاً إسرائيلياً للتنسيق مع تل أبيب لإعادة فتح معبر رفح بين قطاع غزة ومصر وإدارة عملياته المستقبلية.
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قال، خلال ندوة حوارية نظمها “منتدى التفكير الاستراتيجي” بعنوان “سيناريوهات المواجهة مع الكيان/حرب الاستنزاف أو حرب كبرى أم هدنة استراتيجية في سياق تفكك الكيان؟” قبل أيام، إن “الاستراتيجية التفاوضية للكيان تقوم على تحشيد ضغط إقليمي دولي للضغط على حماس للقبول بالرؤية الإسرائيلية التي تمس أسس المطالب الفلسطينية، وأنه نصب فخاً سياسياً بفرض شروط محددة ترفضها المقاومة”.
كما تكرر العاصمة المصرية تأكيدها أن قدرتها على استيعاب تداعيات أحداث المنطقة ستتراجع بقوة حال اندلاع أزمة جديدة، وأنه لن يكون بمقدورها استيعاب الأعداد الكبيرة من النازحين والمهاجرين، في ظل وجود أعداد تجاوزت تسعة ملايين شخص من السودان وغزة واليمن وجنوب السودان وسورية. وكان رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد كشف، في اجتماع في إبريل/نيسان الماضي، عما وصفه بـ”حصر لما تتحمله الدولة من مساهمات لرعاية ضيوفها من مختلف الجنسيات”. وأشار إلى أن أعدادهم، “طبقاً لبعض التقديرات الدولية، وصلت إلى أكثر من تسعة ملايين ضيف ولاجئ يعيشون في مصر من نحو 133 دولة، بنسبة 50.4% ذكور، و49.6% إناث، وبمتوسط عمري يصل إلى 35 سنة، يمثلون 8.7% من حجم سكان مصر”. يترافق ذلك مع حديث داخلي متكرر، عبر وسائل إعلام محلية ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي، عن تأثير هذه الأعداد، التي تتعرض للتشكيك، على الأوضاع الاقتصادية في البلاد.