لماذا-لا-يُغري-التطبيع-مع-السعودية-نتنياهو؟-–-العربي-الجديد

لماذا لا يُغري التطبيع مع السعودية نتنياهو؟ – العربي الجديد

يكرِّر رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، رفْضَه التطبيع مع السعودية، مقابل تليين موقفه من الحرب على غزّة، وفتح الأفق لحلّ الدولتين، وهذا مستغرَب، لكونه (وجيشه)، ليسا في أحسن الأحوال في المعركة. فالجيش، بحسب قياداته، منهَك، ومحتاج حاجةً ماسَّة، وآنيَّة، إلى عشرة آلاف جندي، كما صرَّح وزير الدفاع يوآف غالانت، هذا بالإضافة إلى عوامل اقتصادية، غير مساعدة، وضغوط متواصلة، من أهالي المحتجَزين لدى المقاومة، ثم ضغوط الذين رُحِّلوا من الشمال، بسبب هجمات حزب الله من لبنان، ومن غلاف غزّة، بسبب تهديدات حركات المقاومة، ولا يزالون، وإلى أجل غير معلوم، غير قادرين على العودة. وفي المقابل، يتيح التطبيع مع السعودية فرصاً هائلة، بإعادة رسم ملامح الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، وإقامة مشروعات اقتصادية عملاقة، واندماجاً أكبر في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، فضلاً عن توفير ظروف أفضل لمحاربة ما تعتبره فكراً دينيّاً متطرفاً، وجماعات الإسلام السياسي، على أرضية تمكين ما يُسمَّى الاعتدال والمعتدلين.

ابتداءً، يمكن أن يُعَدَّ رفْض نتنياهو عرْضَ التطبيع علامة حادَّة على إدارة نتنياهو ظهره لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وحرمانها نجاحاً كبيراً وتاريخياً. ومن الوجهة المقابلة، الإجمالية، يؤشِّر، في هذه المرحلة، على تفضيله الاعتبارات اليمينية الداخلية على الاعتبارات الدولية. وهو لا يرى التطبيع مع السعودية هدفاً ملحّاً، فثمة شكل من العلاقة مع السعودية، من دون تطبيع معلَن.

ويعلم نتنياهو أن الشعب في السعودية لا يلتفُّ حول التطبيع مع دولة الاحتلال؛ إذ أظهر استطلاع للرأي العام أجري مع المواطنين السعوديين، بتكليف من معهد واشنطن وتنفيذ شركة إقليمية مرموقة في مارس/ آذار وإبريل/ نيسان 2023، أن معظم السعوديين لا يؤيدون التطبيع الكامل مع إسرائيل اليوم. وترى نسبة 20% فقط أن “اتفاقات أبراهام” ستخلّف نتائج إيجابية على الشرق الأوسط. وتوافق أقلية ضئيلة (18%) أيضاً على المقولة: “على الرغم من اختلافاتنا مع إسرائيل بشأن مسائل أخرى، على بعض الدول العربية التعاون معها لصدّ التهديدات المتأتية من إيران”. وأظهرت نتائج الاستطلاع أن 96% من السعوديين يعتقدون أن على الدول العربية قطْع جميع العلاقات مع إسرائيل؛ احتجاجاً على الحرب في غزة.

غذَّت عملية طوفان الأقصى، والحربُ الوحشية التي تشنُّها إسرائيل على قطاع غزّة، قناعات حسْم الصراع، لدى شرائح واسعة من الإسرائيليين

وفي استطلاع آخر أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أعلن في 10 يناير/ كانون الثاني 2024، النتائج الرئيسة لاستطلاع الرأي العام العربي والفلسطيني نحو الحرب الإسرائيلية على غزّة، الذي نُفِّذ على عيِّنة حجمُها ثمانية آلاف مستجيب ومستجيبة، في 16 مجتمعاً عربياً، وكان لافتاً فيه أنَّ نسبة الذين يعارضون الاعتراف بإسرائيل في الرأي العام السعودي ارتفعت من 38% في 2022 إلى 68%، وكذلك الأمر في السودان من 72% في 2022 إلى 81%، وفي المغرب من 67% في 2022 إلى 78%.

ولا يزال نتنياهو أسير موقفه الرافض قيام دولة فلسطينية، بل إنه يطمح إلى طمْس الآمال، ولو الضعيفة، أو الموهومة، إلى تحقيقها. ولو كان ذلك بأثمان باهظة، لجهة انصباب جهد عربي رسمي لوأد المقاومة، أو إحكام الخناق عليها، وجعلها تدخل في مواجهة مع قوات فلسطينية وعربية، ضمن إشراف أُمَمي، دولي. ذلك أن نتنياهو وشركاءه في الائتلاف اليميني المتطرِّف يقدِّمون المشروع الاستيطاني، وخطة الحسم في الضفة الغربية، على أي مسألة. والتطبيع قد يعكِّر الطريق أمام هذه الفرصة السانحة، بحسبهم. فضمن “خطة الحسم” في الضفة الغربية التي أعلنها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في 2017، تتسارع خطوات حكومة نتنياهو على الأرض، بمضاعفة الاستيطان ومصادرة الأراضي. “ويعتبر 2024 عاماً قياسيّاً، في نطاق الإعلانات على أراضي دولة، إذ أُعلِن ما مجموعه 23700 دونم، من أراضي الضفة الغربية أراضي دولة، منذ بداية 2024. وتسعى الحكومة عبر إعلان أراضٍ فلسطينية أراضيَ دولة لإيجاد تواصل جغرافي بين المستوطنات في منطقة الأغوار وسفح الجبل، ومنْع توسُّع أيِّ وجود فلسطيني هناك”.

لا يفضِّل نتنياهو تطبيعاً تنتجه ظروفٌ مأزومة، لا تبدو فيه إسرائيل منتصرة ومتفوِّقة

ولا تعدم الأسباب أموراً شخصية سلطوية، إذ إن وقْفَ الحرب، ولو مقابل التطبيع مع السعودية، لن يمنع فتح الأبواب بشأن مسؤوليته عن نجاح عملية طوفان الأقصى؛ لكونه أذكى انقساماتٍ عميقةً في الدولة والمجتمع، أثَّرت سلباً في استعداد جيش الاحتلال وجاهزيته. ثم تعزيز سير الإجراءات القضائية ضدَّه، لاتهاماتٍ سابقة؛ بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال.

وبعد، فقد غذَّت عملية طوفان الأقصى، والحربُ الوحشية التي تشنُّها إسرائيل على قطاع غزّة، قناعات حسْم الصراع، لدى شرائح واسعة من الإسرائيليين، بالتوازي مع تقويض القناعات بالتفاوض؛ بوصفه أداة الوصول إلى تسوياتٍ وحلول وسطى، ما يعني ارتفاع التعويل على القوة، في حماية أمن دولة الاحتلال. ووفق منطق نتنياهو، حتى التطبيع لم يتحقَّق مع دول عربية، ضمن اتفاقات أبراهام (الإمارات والمغرب والبحرين والسودان)، ولا يتحقَّق مع دول أخرى، السعودية، وغيرها، إلا تحت سطوة القوة الإسرائيلية، فهو لا يفضِّل تطبيعاً تنتجه ظروفٌ مأزومة، لا تبدو فيه إسرائيل منتصرة ومتفوِّقة، أو تظهر فيه هذه الدولة المتبجِّحة في صورة المحتاجة إلى من يمدُّ لها يد العون والإنقاذ، مقابل تنازلاتٍ أعلن نتنياهو، مراراً، إقفال الباب أمامها، بل افتخر بأنه نجح في منْع قيام دولة فلسطينية، وعلى هذا يحصد تأييداً، ويوسِّع قواعده، لدى اليمين واليمين المتطرِّف، حيث هم ملاذه الحصين، وليكرِّس نفسه زعيماً وطنياً، أكثر يمينيّة، في وجه الضغوط الدولية وضغوط الإدارة الأميركية.