هجوم للمحافظين على مقربين من مسعود بزشكيان.. الأسباب والتداعيات
شنّ التيار المحافظ ووسائله الإعلامية، خلال الأيام الأخيرة، هجوماً لاذعاً على مقربين من الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان وسط مساعي الأخير للتودد إلى المحافظين في إطار سياسته الرامية إلى خلق إجماع داخلي كما وعد بذلك في حملته الانتخابية. ويهاجم المحافظون، وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، الذي عينه بزشكيان رئيساً للمجلس الاستيشاري لاختيار أعضاء الحكومة الإيرانية المقبلة. وفجرت تصريحات ظريف مساء الأربعاء الماضي، في مقابلة مع التلفزيون الإيراني بشأن معايير اختيار الوزراء وفريق الرئاسة الإيرانية، انتقادات وهجمات واسعة ضده من المحافظين، عند حديثه عن ضرورة إشراك الأقليات في الحكومة الإيرانية في إشارة إلى السنة، وقوله: “أن تكون شيعياً ليس امتيازاً وإنما إذا كنت من أتباع مذاهب أخرى فسيسجل ذلك امتيازاً” للترشيحات في الحكومة.
وأصبح المتشددون يهاجون ظريف، وسط اتهامات له بأنه في بلد شيعي يعتبر أن الانتماء إلى المذهب الشيعي “أمر غير إيجابي”. كما أشار ظريف خلال المقابلة إلى ضرورة ممارسة “التمييز الإيجابي”، أي اعتماد مبدأ الأفضلية في التعامل مع الأقليات سواء المذهبية أو النساء. غير أن حديثه عن هذا النوع من التمييز لصالح الأقليات القومية والمذهبية من الأكراد والبلوش السنة أثار حتى حفيظة إصلاحيين وقوميين، معتبرين أن ذلك يشكل خطراً على الدولة، وأنه يشي باتباع منهج المحاصصة في السلطة وسط تحذيرات من تداعيات ذلك على الأمن القومي للبلاد. وأمس الجمعة، بعد مشاركة ظريف في صلاة الجمعة بجامعة طهران، أطلق مصلون هتافات حادة ضده، حسب مقاطع مصورة اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي في إيران.
اتهامات لمقربين من مسعود بزشكيان
وفي السياق، حذر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية البرلماني المحافظ إبراهيم عزيزي، لوكالة “فارس” المحافظة، من “تدخل” من وصفهم بالميالين للغرب، في إشارة إلى وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، داعياً بزشكيان إلى منع تبلور هذا التصور بأن الحكومة المقبلة غير قادة على اتخاذ القرار وأن هناك “أشخاصاً محددين يقودون الحكومة”، ومضيفاً أن هناك قناعة بأن ظريف هو الذي يقرر للحكومة المقبلة، مع تأكيد ضرورة أن تكون هذه الحكومة “مستقلة”.
واليوم السبت، شنت صحف محافظة، في مقدمتها صحيفة “كيهان”، هجوماً لاذعاً على المقربين من الرئيس الإيراني المنتخب وأعضاء مجلس اختيار الوزراء. وقالت “كيهان” في مقال إن بزشكيان بات “محاصراً من حلقة، بعض أفرادها لديهم سجل مثل العمالة لأميركا وبريطانيا وإسرائيل خلال فتنة 88″، في إشارة إلى الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران عام 2009 على خلفية رفض الإصلاحيين نتائج الانتخابات الرئاسية آنذلك، والتي أعلن فيها عن فوز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد.
واتهمت “كيهان” بطانة بزشكيان بأنهم “من حماة العقوبات وأسباب الاحتقان والفشل المتعمدين في حكومة (حسن) روحاني الأرستقراطية ومتهمين بالفساد”، وغيرها من الاتهامات. وتابعت الصحيفة أنه رغم إطلاق تحذيرات متعددة، لكن “رئيس الجمهورية المنتخب بات محاطاً بأصحاب الفتنة وأشخاص لديهم موقف من الثورة الإسلامية”.
وفيما حاول بزشكيان أخيراً، من خلال المشاركة في مجالس عزاء دينية للإمام الحسين، الحد من مخاوف التيار من فوزه والتودد إليهم، رأت صحيفة “كيهان” أن تواصل بزشكيان مع الشارع بعد الانتخابات قد انقطع بسبب مستشارين له أمثال ظريف ووزراء سابقين على غرار محمد جواد آذري جهري وعلي ربيعي وصالحي أميري، وكلهم من أعضاء مجلس اختيار الوزراء، مشيرةً إلى ما نشرت من صور عن بزشكيان تعود إلى تبضعه برفقة أسرته ومشاركته في مجالس هيئات دينية لقاءات مع مسؤولين.
وفي انتقاد لسياسات بزشكيان ومقربين منه، بعد تأكيدهم ضرورة إعطاء الأولوية لرفع العقوبات والانفتاح على العالم، ذكرت “كيهان” أن أميركا والترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، بعد مرور أسبوعين، لم تهنئ بزشكيان على فوزه و”هي تُبدي إصراراً على نكث العهود وعلى الأعمال الشريرة”.
كما اتهمت بعض أعضاء مجلس اختيار الوزراء بأن “لديهم سجلاً أمنياً وإجرامياً وخيانياً وتواطؤاً مع أميركا وبريطانيا وإسرائيل في معاداة الشيعة”، منتقدةً تصريحات ظريف خلال المقابلة مع التلفزيون وقوله “أن تكونوا (المرشحين) من أتباع مذاهب وأديان رسمية فهذا يعد امتيازاً وأن تكونوا من الشيعة فلن تحصلوا على امتياز”، عند حديثه عن ضرورة ممارسة “التمييز الإيجابي” تجاه الأقليات المذهبية، والمقصود هنا أهل السنة في إيران.
السنّة في إيران خلال حملة بزشكيان الانتخابية
يُذكر أن بزشكيان ركز خلال حملته الانتخابية على طرح بعض مشاكل أهل السنّة في إيران، منتقداً عدم منحهم مناصب عليا في البلد، كرؤساء المحافظات والوزارات. وتصدر الرئيس الإيراني المنتخب في المحافظات التي تقطنها الغالبية السنية، مثل كردستان وسيستان وبلوشستان، نتائج الانتخابات.
وليس واضحاً عدد السنّة في إيران لغياب وجود إحصائيات رسمية بشأنهم، لكن ثمة تقديرات مختلفة تشير إلى أن النسبة تتراوح من 12 و15 إلى 20 بالمائة من عدد سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة. ويتوزع السنّة في العديد من المحافظات الإيرانية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. وأصوات السنّة لها تأثيرها الحاسم في الانتخابات، خاصة إذا كانت نسبة أصوات المرشحين متقاربة وغالباً أصواتهم تتجه نحو الإصلاحيين.
كما وجهت صحيفة “همشهري” التابعة لبلدية طهران، التي خاض رئيسها المحافظ علي رضا زاكاني الانتخابات الرئاسية قبل انسحابه بيوم منها، اليوم السبت، انتقادات لتوجهات مجلس اختيار الوزراء الذي يتراسه ظريف، مشيرةً إلى أن هذه التوجهات تتعارض مع “استراتيجيات” أعلن عنها الرئيس المنتخب، مع الحديث عن أن ذلك “أثار مخاوف”.
وصوبت الصحيفة على تصريحات ظريف خلال المقابلة التلفزيونية، منها حديث عن أن المرشحين غير المنتمين إلى الطائفة الشيعية سيحصلون على نقاط على حساب المرشحين الشيعة، مشيرة إلى الأصداء الواسعة لهذه التصريحات في البلاد.